د. محمد يحيي يكتب عن الصيدلة والابداع
النهار نيوزالصيدلة... لا تزال تلك المهنة الطبية السامية تحتفظ ببريقها و سحرها الخاص، و لا يزال الصيدلي يحتفظ لنفسه بتلك الهالة التي تجعل الجميع ينتظر منه معرفة متعمقة بأصناف الدواء و استخداماتها و بالكثير من المعلومات الطبية المتنوعة. و هذه الهالة كان لا بد و أن تمتد الى الأعمال الفنية و الأدبية و أن يتلقف الكتاب و السينمائيون هذه المعرفة بأصناف الدواء و بالكيمياء و تفاعلاتها الشيقة و بالنباتات الطبية المختلفة و التي تمتزج أيضا مع الوظيفة الطبية و تفاعلاتها الإنسانية و أن ينتج عن ذلك قدرة خاصة على خدمة السياق الدرامي و على مزج اللمحة العلمية مع التشويق و مع السياق الإنساني المؤثر.
فمن منا لا يذكر العمل السينمائي الكبير (حياة أو موت) و من لا يهرع النداء الشهير الى التردد في أذنه (الى أحمد ابراهيم....الدواء فيه سم قاتل) و ذلك بمجرد ذكر الفيلم. و من منا لا يذكر دور الصيدلى المحوري في قصة الفيلم بقدرته على تركيب الأدوية و بدوره في التعامل المباشر مع المرضى و بالبعد الانساني الكبير و الاحساس بالمسؤلية العالية التي جعلته يحاول طوال الفيلم و بشتى الطرق أن ينقذ مريضه و لو كلفه ذلك التضحية بنفسه و ان يبذل كل المحاولات الحثيثة لإنقاذ مريضه حتى تكلل مسعاه بالنجاح. و هذا العمل يُعد واحد من اشهر افلام السينما المصرية و قد أُختير ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية بل إن هذا الفيلم قد ترشح لمهرجان كان و نال جائزة الدولة و حظى بغيرها من أشكال التكريم. فبالإضافة الى الموهبة المتفردة لصناع الفيلم الكبار، جاء دور الصيدلي ليكسب قصة الفيلم أبعاد علمية و إنسانية متعددة و ليلعب دور في فرادة القصة و تشويقها و في السياق الدرامي الفريد. و برغم إنتاج هذا العمل عام 1954، و برغم مرور سبعين عاما إلا أنه لا يزال حاضرا في الذاكرة و محتفظاَ بإشادة و اعجاب النقاد و المشاهدين.
و اليوم لا يزال عالم الصيدلة يزخر بالحيوية و لا يزال يشكل منطلقا و رافدا ثريا للإبداع كما أنه لا يزال يحمل فرصاً متجددة و آفاقاً رحبة للتحليق في سماء الإبداع. فمع إنتشار الوعي بوجود أدوار أخرى للصيادلة في مصانع الأدوية و المستشفيات و الصيدلة الاكلينيكية و شركات الدواء إلى جانب دور الصيدلي في الصيدليات، برزت هذه الأدوار أكثر كميادين خصبة لاستنباط المزيد من الأفكار الابداعية و الروائع الأدبية. فهذه الأدوار تحمل أيضا من الأهمية و من الأبعاد العلمية و الانسانية ما يجعلها تمثل فرصاً للإستلهام و منطلقاً للإبداع مثلها مثل دور الصيدلى في الصيدليات و الذي حظي بالنصيب الأكبر حتى الآن. كما أنه بالإضافة الى دخول الصيدلي كبطل في الأحداث الدرامية و في سياق القصص الحياتية المختلفة، فإن عالم الدواء بحد ذاته به من قصص اكتشاف الدواء و من الأحداث المختلفة ما يشكل مادة خصبة بحد ذاته لكثير من الأعمال الابداعية، فهو عالم ضخم يجمع بين مراكز الأبحاث الكبرى و الشركات العملاقة و المصانع المتقدمة وصولا الى الصيدليات و المستشفيات، كما أنه يتعامل مع الدواء بكل أهميته في حياة الإنسان. و أخيرا، فلطالما كان بين العلوم المختلفة و بين الآداب و الفنون من وشائج القربى الكثير و لطالما ألهم كل منهم الآخر في مسيرة العقل الانساني الدءوبة نحو الابتكار و الابداع.