الأحد 13 أبريل 2025 03:20 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الفنان عبدالهادي شلا يكتب عن: ”حذاء فان جوخ”

الفنان عبدالهادي شلا
الفنان عبدالهادي شلا

لم أقف متأملا لوحات فنان عالمي مثلما وقفت وارتبطت بأعمال الفنان الهولندي الأصل والعبقري الذي وصفه البعض بالجنون "فنست فان جوخ" الذي رحل بعد أن ترك مئات اللوحات ولم يسعد ببيع إلا لوحة واحدة في حياته رغم أنه وصل القمة ولكن الحظ لم يقترب من فنان مثله بعد موته بسنوات وصار سعر لوحاته بالملايين من الدولارات ولعل أشهرها لوحة"عباد الشمس" التي وصل ثمنها منذ سنوات إلى أربع وسبعين مليونا من الدولارات،ولنا أن نتصور هذا الفنان العبقري البائس الذي مات منتحرا كيف ستكون حاله لو أنه في حياته قد باع عدد من لوحاته ولو بأقل من هذا الثمن بكثير،لكنها الحياة التي لا يُحسن أهلها التقدير في بعض الأحيان فيستخفون بالعباقرة ويصفونهم بالمجانين لأن العباقرة هم الذين يكتشفون ما عجزوا عنه فألصقوا بهم هذه الأوصاف عن جهل واستخفاف ولكن نضوج العقل البشري والزمن لابد أن ينصفهم ولو بعد حين.
درست الفنون خمس سنوات كانت لوحات هذا الفنان في كتاب ملون يستقر تحت سريري أتصفحه يوميا قبل النوم وذلك لعشقي لقوة ألوانه وصراحتها وجرأته في وضع اللمسات الكثيفة بضربات شريطية يكاد كل جزء من اللوحة أن يتحرك ويمكن لمن يتأمل لوحاته يستشعر بالهواء يملأ فضائها.
لم أتأثر به فنيا ولكنه زرع في نفسي شجاعة الصمود أمام تحدي الأفكار التي تتلاقى وتتفاعل قبل بداية كل لوحة فاشتد عودي الفني وكنت مع كل لوحة أخرج منتصرا.
لماذا أثير هذا الحديث اليوم؟!
لست أعيد ذكريات زمن جميل فكل ما حولنا من حروب واضطرابات جعل الجمال في الصف الأخير إلا في فترات نختلسها تعيد لنا بعض الحيوية.
بالصدفة وقعت عيني على لوحة "حذاء فان جوخ" وهي واحدة من عدة لوحات رسمها الفنان لحذائه في أوضاع مختلفة وفترات متباعدة ولكن هذه اللوحة الزيتية الصغيرة المساحة (45.3x38.1 سم) التي رسمها عام 1886و الموجودة في متحف أمستردام وتأملتها جيدا وقرأت ما كتبه الفلاسفة والتي جاء عنها:
ما قاله "جاك دريدا" عن لوحات الأحذية يظل أمراً فلسفياً مُعبراً عن إبداع فان جوخ: "هناك في لوحات الأحذية لفان جوخ نسق آخر من الخصائص المستقلة المميزة لا يكشف عنه جوخ بسهولةٍ فهي لوحات نموذجية تعكس قدرات الفنان الخاصة وتمتعه بإعادة اكتشاف المألوف وتقديمه للمشاهد. هذا النسق ينفصل في نقطة ما ليجتمع بأطرافه وعناصره مرة ثانيةً في نقطةٍ أخرى وبإستخدام خيط غير مرئي خفي يثقب قماش (كأنفاس حية) اللوحة ويخترقها كما تثقب المقرنة الورق، ومن ثمَّ تخرج منه لتصير أجزاء القماش كُلاً متكاملاً مجسداً لروعة امتزاج العالمين الداخلي والخارجي للوحة، يجمع جوخ ما بين عوالمه الداخلية والخارجية في لوحة فنية مازال معناها محل نقاش وجدل.
وفي مقال أخر: تحول الحذاء إلى أيقونة لا تقل قيمةً عن الإيقونات التي تزين الجدران والبيوت المقدسة والمعابد وغيرها.
ولا يفتقد رائي الحذاء لتداعيات المشهد إلى صور بديله أخرى عبر خياله التاريخي.
فلكل منا حذاؤه الخاص بالطبع، ومن ثم سيكون الحذاء كتاب معرفة بحكم أننا نعرف ماذا حدث مع الحذاء طالما كان بهذه الكينونة ولو كانت ثمة عبارة جامعة معبرة في هذا الشأن، لكانت أنَّ " الحذاء هو الإنسان". إنه يرتبط بكل مساره في الحياة، عثراته ونجاحاته والأحداث التي مر بها والمفاجآت التي توالت عليه.
ولعلنا نذهب بعيدا قليلا عن حذاء "فان جوخ" لنقرأ رأيا لعلماء الفلسفة والجمال بأن ذوق الإنسان يتجلى في اختياره لحذائه ومدى تناسقه وتناسبه مع ما يرتدي وهيئة جسمه.
يقول الموسيقار محمد عبد الوهاب حين سأله صحفي عن المرأة وجمالها: المرأة حذاء..!! وأكمل وسط دهشة الصحفي بأن حذاء المرأة هو الذي يعطينا تضاريس جسدها ويرسمه فمتى كان الاختيار موفقا كانت المرأة حسنة المظهر وبان جمالها.
بالعودة إلى حذاء"فان جوخ" وأنا أتأمله خطر لي خاطر غريب،فهذه اللوحة معروضة من سنوات بعيدة في متحفه بأمستردام ومن المؤكد أنه قد شاهدها ملايين الناس من الزائرين ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية فمنهم الميسور ومنهم الملياردير ولنا أن نتأمل عظمة الفن و عبقرية الفنان الذي مات منتحرا يائسا من حياته ولم يبيع إلا لوحة واحدة أن يقف باحترام و وقار كل هذه الأنواع من الناس ليتأملوا صورة حذائه وكأنهم في معبد يحبسون أنفاسهم وكل واحد منهم يفكر بطريقة مختلفة وبشعور مختلف وبتعاطف مختلف...!!!
وحدّهُ الفن التشكيلي يعطي الإنسان فرصة "نفخ الروح" فيما يُبدع مشتركاً في أبرز السمات الجوهرية للفنون عموماً،فيعيد الإنسان تأمله في قوة ما هو ضعيف وقد ينجح في تعديل مسار حياته.

a858c27eecc6.jpeg
فان/جوخ