الدكتور أسامة عوض يكتب عن دراما البلطجة


لم يكن تقديم شخصية البلطجي كبطل في الأعمال الدرامية مجرد مصادفة أو انعكاسًا بريئًا للواقع، بل هو توجه تجاري مدروس يهدف إلى جذب الجمهور وتحقيق أعلى نسب مشاهدة. فالجماهير تميل إلى الشخصيات التي تمتلك النفوذ والهيمنة، حتى لو كانت خارج القانون، لأنها تمنحهم شعورًا بالقوة والتحدي. وتعتمد هذه الأعمال على العنف والإثارة كعوامل جذب، حيث تُبقي مشاهد القتال والمواجهات الحادة المشاهدين في حالة ترقّب مستمر، مما يعزز شعبيتها ويضمن نجاحها التجاري. ولعل نجاح بعض الشخصيات في هذا النوع من الدراما، مثل "عبده موتة" و"رفاعي الدسوقي"، قد حوّلها إلى رموز تجارية تُستخدم في الإعلانات، والأغاني الشعبية، وحتى المنتجات، مما زاد من العوائد المادية لهذه الأعمال. وهنا يبرز التساؤل: هل تُقدَّم هذه الأعمال كصورة حقيقية للمجتمع، أم أنها تُضخِّم الظاهرة وتُعيد إنتاجها لخدمة أهداف تجارية؟
يشير الواقع إلى أن الدراما لا تكتفي بعكس العنف المجتمعي، بل تُضفي عليه بريقًا يجعله أكثر تأثيرًا وانتشارًا، الأمر الذي دفع بعض الشباب إلى محاكاة أبطال البلطجة في أسلوبهم، ولغتهم، وسلوكهم، مما يُعيد تشكيل الواقع الاجتماعي بطريقة أكثر خطورة. وبدلًا من التطرق إلى الأسباب الحقيقية للظواهر الاجتماعية، مثل الفقر والظلم، تُقدِّم هذه الأعمال حلولًا زائفة، حيث يصبح البلطجي المنتصر الوحيد، بدلًا من تحقيق العدالة الحقيقية. واللافت أن استمرار هذه الظاهرة لا يعود فقط إلى تفاعل الجمهور معها، بل إلى المكاسب الضخمة التي تحققها شركات الإنتاج والقنوات الفضائية، التي تستفيد من نسب المشاهدة المرتفعة، إلى جانب الممثلين والمخرجين الذين باتوا يكررون الأدوار ذاتها بحثًا عن النجاح السريع، فضلًا عن الإعلام التجاري الذي يعتمد على إثارة الجدل، مما يزيد من التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وللحد من انتشار هذا النمط من الدراما، لا يكفي الاكتفاء بانتقادها، بل يجب تقديم بدائل أكثر جاذبية وقيمة فنية، مثل: خلق شخصيات قوية لكنها أخلاقية، وتعزيز الأعمال التي تركز على الصراعات النفسية والاجتماعية بدلًا من المواجهات الجسدية، وإعادة الاعتبار للقصص الملهمة التي تسلط الضوء على نماذج حقيقية للنجاح والتحدي، بعيدًا عن الترويج لفكرة أن **"البلطجة طريق مختصر للنفوذ".
ختاما، دراما البلطجة ليست مجرد انعكاس للمجتمع، بل هي أداة تجارية تستغل النزعات البشرية نحو القوة والسيطرة لتحقيق الأرباح
. والمسؤولية لا تقع فقط على صُنّاع الدراما، بل أيضًا على الجمهور، الذي يستطيع تغيير المشهد الفني إذا رفض استهلاك هذا المحتوى وطالب بأعمال ذات قيمة فكرية وأخلاقية. والسؤال المطروح هنا: هل يمكن أن تتغير هذه الظاهرة إذا تغيرت ذائقة الجمهور، أم أن الحل يحتاج إلى تدخلات إنتاجية وسياسات إعلامية جديدة؟