الخميس 6 مارس 2025 05:18 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

أدب وثقافة

أمام مرايا النص… الشاعرة آمال صالح وقصيدة “ انتظار ”

النهار نيوز

بقلم : د.عبدالكريم الحلو

سوف نبحر في اغوار هذا النص بالاسلوب النقد الفلسفي والانطباعي لان هذا النص الجميل دلالات تستحق الوقوف والتأمل.

العنوان ودلالاته:
يحمل العنوان “انتظار” دلالة مفتوحة على الزمن والتأمل والتأرجح بين الأمل واللايقين.

فالانتظار في حد ذاته حالة فلسفية تعكس الترقب، البحث، وربما الحنين لما قد لا يأتي.

إنه حالة وجودية يعيشها الإنسان بين ماضٍ مضى ومستقبل مجهول،
مما يجعل العنوان مدخلًا فلسفيًا عميقًا للنص.

البعد الفلسفي في النص :
ينطلق النص من أسئلة وجودية تحمل تأملات حول الزمن، الأحلام، والهوية.
فالشاعرة تطرح تساؤلات تبدأ :

بـ “منذ متى”،
مما يعكس حالة من الاستفهام المفتوح،
الذي لا يبحث عن إجابة مباشرة،
بل يستفز العقل للتفكير.

1. إشكالية الزمن والذاكرة:
• تتجلى فلسفة الزمن في تساؤلات مثل:

“منذ متى صارت النجوم لا تأتي بالأحلام؟”
“منذ متى عرفت الأيام أنها لن تعود؟”

• هنا، يتم تصوير الزمن ككيان مستقل، يعرف ويتحرك ويتخذ قرارات، مما يضفي عليه بعدًا وجوديًا أشبه بالقدرية.

• الزمن في النص ليس مجرد تعاقب أحداث، بل قوة متحكمة، تفرض على الإنسان قوانينها، فتجبره على الانتظار دون يقين.

2. الهوية والانتماء:
• في قولها:

“نتوق لعشبة خضراء
نتلمس فيها رقعة للهوية”,

تعكس الشاعرة أزمة هوية عميقة،
حيث تصبح الطبيعة رمزًا للبحث عن الأصل والانتماء.
العشبة الخضراء ليست مجرد نبتة،
بل استعارة عن الوطن، عن الجذور،
عن كل ما يربط الإنسان بذاته.

• المكان في النص ليس مجرد فضاء جغرافي، بل مفهوم متغير تحكمه دوامة المدينة والأسوار العالية التي تعزل الإنسان عن ذاته وعن أحلامه الأولى.

3. اللغة وفقدان المعنى:
• من أعمق التأملات الفلسفية في النص قولها:

“والمعلقات السبع غيرت لغتها،
لم تفلح كل العقول أن تستعيد أبجديتها؟”

• هنا تتناول الشاعرة أزمة فقدان المعنى والتغيير الثقافي.
فالمعلقات السبع، التي تمثل جوهر الشعر العربي القديم، فقدت لغتها،
مما يعكس ضياع الهوية الثقافية،
والانفصال عن الجذور.

البعد الانطباعي والوجداني
1. العلاقة بين الطفولة والنضج:
• تقول الشاعرة:

“كبرت يا أمي
وأنا لا زلت أمسك بكرمة بيتنا”

• هنا، تتشابك مشاعر الحنين والنضج في صورة واحدة. الطفولة لا تزال تسكن الشاعرة، رغم تقدم العمر، وهذا يعكس تعلق الإنسان بجذوره رغم محاولاته للنضج والتأقلم مع قسوة الواقع.
2. التضاد بين الماضي والحاضر:
• الطفولة في النص مليئة بالحركة والتخيل:

“طفلة تعاند الظل وتجري”

• في مقابل الحاضر الذي يتسم بالسكون والانتظار.
• هذا التضاد يبرز الفرق بين براءة البدايات وثقل النهايات، وبين العفوية الأولى والتجربة التي تكشف قسوة الواقع.

3. المدينة ككيان خانق:
• تصور الشاعرة المدينة كعالم معقد يحيل الأشياء إلى ألغاز، مما يعكس الاغتراب النفسي والذهني الذي يعيشه الإنسان في الحداثة.
المدينة هنا ليست مجرد مكان، بل رمز للتحولات التي تُبعد الإنسان عن طبيعته وبساطته الأولى.

الأسلوب الفني والتقنيات الشعرية
1. التكرار والتوكيد:

• تعتمد الشاعرة على تكرار “منذ متى” في بداية المقاطع، مما يمنح النص إيقاعًا خاصًا، ويعزز من طابع التأمل الفلسفي.

• التكرار هنا ليس مجرد إعادة، بل أداة تُعمّق الإحساس بالزمن والانتظار.

2. الرمزية المكثفة:
• النص زاخر بالرموز مثل :
“النجوم، الظلال، النخلة، العشبة الخضراء، الصحف، المعلقات السبع”،

وكلها تحمل دلالات تتجاوز المعنى الحرفي إلى أبعاد فلسفية وثقافية.

3. التضاد والتناقض الداخلي:
• بين الطفولة والنضج،
الأحلام والواقع،
الممكن والمستحيل،
الماضي والحاضر،
وكلها تعكس حالة من الصراع الداخلي الذي يجعل النص أكثر عمقًا وتأثيرًا.

الخاتمة والتقييم العام
“انتظار” نص يتجاوز كونه تجربة شخصية ليصبح تأملًا فلسفيًا في الزمن، و الهوية، والبحث عن المعنى في عالم متغير.
نص يحمل في طياته الكثير من التساؤلات الفلسفية والوجدانية، ويتميز بأسلوب شعري راقٍ يجمع بين التأمل والرمزية العميقة.

خالص محبتي واحترامي
الدكتور عبدالكريم الحلو

===================

قصيدة " انتظار..."
الشاعرة آمال صالح

منذ متى
صارت النجوم
لا تأتي بالأحلام...؟
منذ متى
عرفت الأيام
أنها لن تعود...
استودعت أمانيها لظلال الزمن
والذاكرة المتجلدة بالصبر...؟

منذ متى
أهز جذع النخلة
وأرد الأوجاع عني؟

كبرت يا أمي
وأنا لا زلت أمسك
بكرمة بيتنا
أتخيل اخضرار أوراقها
في الألوان الشاحبة
في الأسوار العالية
لطفلة تعاند الظل
وتجري
تريد أن ترى خيالها الصغير
يغطي المكان...

معضلة المكان
وتواتر الزمن
في دوامة المدينة
تحيل الأشياء
إلى ألغاز...

منذ متى
خبرتنا الصحف
ببداية النهاية
لتاريخ
لم يكتمل
والمعلقات السبع
غيرت لغتها
لم تفلح كل العقول
أن تستعيد أبجديتها؟

منذ متى
نتوق لعشبة خضراء
نتلمس فيها
رقعة للهوية
واستدارة القمر
ورغيف خبز
ونظرات تحيي
فينا الإنسان...؟!