الثلاثاء 25 فبراير 2025 08:05 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الدكتور أيمن سلامة يكتب : عكاظيات القانون الدولي.. تفنيد أبرز الشائعات المتداولة في الساحة الإعلامية

النهار نيوز

في عصر الفضاء الرقمي والانفتاح الإعلامي، أصبحت الساحة القانونية الدولية مرتعًا لعدد من "الخبراء" الذين يروجون لمفاهيم مغلوطة، مدعين إلمامهم العميق بالقانون الدولي. تتلقفهم القنوات الفضائية والمنصات الإعلامية، فتمنحهم هالة من الشرعية والاحتفاء، مما يسهم في نشر ادعاءات لا تستند إلى أي أساس قانوني رصين. وبينما يعاني الباحث القانوني الجاد من التصدي لهذا السيل الجارف من المغالطات، فقد بات من الضروري تفنيد أبرز هذه الفريات المتداولة في الإعلام.

هل قرار "الاتحاد من أجل السلام" ملزم مثل قرارات مجلس الأمن؟

يروج بعض المحللين لفكرة أن قرار "الاتحاد من أجل السلام"الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يتمتع بذات الحجية القانونية الملزمة لقرارات مجلس الأمن. غير أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة.

قرار الاتحاد من أجل السلام (قرار الجمعية العامة رقم 377 لعام 1950) جاء استجابة للشلل الذي أصاب مجلس الأمن خلال الحرب الكورية، إذ منح الجمعية العامة صلاحية التوصية باتخاذ تدابير لحفظ السلم والأمن الدولي في حال عجز المجلس عن أداء دوره بسبب استخدام حق النقض (الفيتو). غير أن قرارات الجمعية العامة بطبيعتها ليست ملزمة قانونيًا، فهي توصيات تفتقر إلى القوة التنفيذية التي تتمتع بها قرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

هل يمكن للجمعية العامة تعليق عضوية الدول الأعضاء؟

أحد الادعاءات المتكررة هو أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تستطيع تعليق عضوية أي دولة عضو، كما يطالب البعض بإسقاط عضوية إسرائيل أو روسيا استنادًا إلى هذا الزعم. لكن الصحيح أن تعليق العضوية أو طرد الدول من الأمم المتحدة ليس من اختصاص الجمعية العامة وحدها، بل يتطلب قرارًا من مجلس الأمن أولًا وفقًا للمادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة.

فلكي يتم تعليق عضوية أي دولة، لا بد أن يصوّت مجلس الأمن بأغلبية تسعة أصوات، دون استخدام أي من الأعضاء الدائمين للفيتو، ثم تحال المسألة إلى الجمعية العامة التي تتخذ القرار بأغلبية الثلثين. هذا ما يجعل تعليق عضوية دول كبرى ذات حق النقض مثل روسيا أمرًا شبه مستحيل، نظرًا لامتلاكها القدرة على إحباط أي تحرك ضدها داخل مجلس الأمن.

هل للجمعية العامة صلاحيات مماثلة لمجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدولي؟

يتكرر الادعاء بأن الجمعية العامة تتمتع بصلاحيات مماثلة لمجلس الأمن في مجال حفظ السلم والأمن الدولي. غير أن الحقيقة هي أن اختصاصات الجمعية العامة مقيدة بحدود التوصية فقط، بينما يتمتع مجلس الأمن بالسلطة التنفيذية لاتخاذ تدابير ملزمة مثل فرض العقوبات أو التدخل العسكري، وفقًا للفصل السابع من الميثاق.

الجمعية العامة يمكنها مناقشة المسائل المتعلقة بالسلم والأمن وإصدار توصيات، لكنها لا تملك سلطة إجبار الدول على الامتثال كما يفعل مجلس الأمن. حتى في إطار قرار "الاتحاد من أجل السلام"، فإن دور الجمعية العامة يظل توصويًا لا إلزاميًا.

هل هناك معاهدات معدلة لاتفاقيات جنيف لعام 1949؟

يعتقد البعض أن هناك معاهدات دولية عدّلت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وهذا غير صحيح. اتفاقيات جنيف الأربع لا تزال هي الركيزة الأساسية للقانون الدولي الإنساني، ولم يتم تعديلها أو استبدالها بمعاهدات جديدة، لكنها خضعت للتطوير عبر ثلاثة بروتوكولات إضافية:

1. البروتوكول الأول (1977): يتعلق بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية.

2. البروتوكول الثاني (1977): يتناول النزاعات المسلحة غير الدولية.

3. البروتوكول الثالث (2005): أضاف شارة "الكريستالة الحمراء" كرمز إضافي إلى الهلال الأحمر والصليب الأحمر.لكن هذه البروتوكولات لا تعدل الاتفاقيات الأصلية، بل تكملها وتوسع نطاق حمايتها.

هل يمكن للأفراد أو النقابات تحريك دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية؟

هناك اعتقاد خاطئ بأن الأفراد أو المنظمات يمكنهم مباشرة تحريك دعوى جنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC). لكن الصحيح أن المدعي العام للمحكمة فقط هو من يملك سلطة فتح التحقيقات، بناءً على:

1. إحالة من دولة طرف في نظام روما الأساسي.

2. إحالة من مجلس الأمن الدولي.

3. مباشرة المدعي العام تحقيقًا من تلقاء نفسه (بشرط الحصول على موافقة الدائرة التمهيدية للمحكمة).

أما الأفراد والمنظمات غير الحكومية، فيمكنهم فقط تقديم بلاغات أو أدلة للمدعي العام، لكنه غير ملزم قانونيًا بمتابعتها ما لم يجد فيها مبررًا قويًا للتحقيق.

هل يشترط رضا الطرفين في جميع القضايا أمام محكمة العدل الدولية؟

يزعم البعض أن محكمة العدل الدولية (ICJ) لا يمكنها النظر في أي قضية إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية. هذا الزعم ليس دقيقًا، لأن اختصاص المحكمة ينقسم إلى نوعين:

1. الاختصاص القائم على موافقة الطرفين: في الحالات العادية، لا يمكن للمحكمة النظر في نزاع بين دولتين إلا إذا وافقتا مسبقًا على اختصاصها.

2. الاختصاص الإجباري: بعض الدول قبلت اختصاص المحكمة بشكل مسبق بموجب إعلانات خاصة، ما يسمح برفع دعاوى ضدها دون الحاجة لموافقتها في كل حالة على حدة.

3. يمكن أن ترفع دولة عضو في معاهدة دولية دعوى قضائية أمام المحكمة "انفرادا" ضد دولة عضو في ذات المعاهدة الدولية إن انتهكت الأخيرة التزاماتها في هذه المعاهدة

الحاجة إلى التدقيق في السرديات القانونية

إن انتشار المعلومات المغلوطة حول القانون الدولي يخلق تصورات غير دقيقة تؤثر على الرأي العام وصناع القرار. لذا، فإن التمحيص في المصادر، والرجوع إلى النصوص القانونية، والاعتماد على أهل الاختصاص الحقيقيين هو السبيل الوحيد لفهم الإطار القانوني الدولي بعيدًا عن التفسيرات المتحيزة أو السطحية.