أيمن سلامة : وقف إطلاق النار ... آلية مراقبة وإلا تعود ريما لعادتها القديمة
النهار نيوزتُعدّ آلية مراقبة وقف إطلاق النار من أهم الأدوات التي تضمن استقرار الأوضاع بعد الصراعات المسلحة. بدون وجود آلية فعالة وموثوقة لمراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، يُحتمل أن تعود الأعمال العدائية إلى السطح مرة أخرى، كما حدث في العديد من الحالات حول العالم. يُعتبر قطاع غزة مثالًا بارزًا على غياب آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار، بينما تمثل آلية الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة الكورية لعام 1953 نموذجًا ناجحًا لأهمية هذه الآليات.
أمثلة على الإخفاق: قطاع غزة
منذ عام 2008 ( حملة الرصاص المصبوب ) ، شهد قطاع غزة عدة موجات من التصعيد العسكري، رغم إعلانات متعددة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. السبب الرئيسي وراء فشل هذه الاتفاقيات هو غياب آلية قوية ومستقلة لمراقبة الالتزام بشروط وقف إطلاق النار.
في أعقاب كل جولة من القتال، كانت الوساطات الدولية والإقليمية تنجح في الوصول إلى اتفاقات مؤقتة لوقف إطلاق النار. لكن هذه الاتفاقيات تفتقر إلى آليات تُلزم الطرفين بالالتزام بها أو تُحاسب المخالفين.
على سبيل المثال، اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2014 بعد عملية "الجرف الصامد" انهار بعد أشهر قليلة بسبب غياب متابعة دقيقة للممارسات على الأرض، مما أدى إلى استمرار الحصار المفروض على غزة وتصعيد متقطع انتهى بحرب أخرى في عام 2021.
علاوة على ذلك، لم تُنشأ قوة دولية للإشراف على تطبيق بنود وقف إطلاق النار أو مراقبة تنفيذها، مما سمح لكل طرف بالعودة إلى القتال عند أدنى استفزاز أو خلاف.
أمثلة على النجاح: الهدنة الكورية 1953
على النقيض من ذلك، تُظهر التجربة الكورية أهمية وجود آلية قوية لمراقبة وقف إطلاق النار ،ففي عام 1953، وُقِّعت اتفاقية الهدنة الكورية بعد ثلاث سنوات من الحرب الكورية، وتضمنت إنشاء لجنة مراقبة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، وشكلت هذه اللجنة بعثات متعددة الجنسيات لمراقبة خط الهدنة ونزع السلاح في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين.
حافظت هذه الآلية على حالة من الاستقرار النسبي لأكثر من سبعين عامًا، رغم غياب اتفاق سلام دائم بين الكوريتين. وقد منعت التصعيد العسكري المباشر، ووفرت منصة لحل النزاعات بطريقة سلمية من خلال الاجتماعات المشتركة تحت رعاية الأمم المتحدة.
دروس مستفادة من الإخفاقات والنجاحات
أهمية الحيادية والاستقلالية
النجاح في كوريا يرجع إلى استقلالية وحيادية آلية الأمم المتحدة، حيث تتكون البعثات من دول محايدة وغير متورطة مباشرة في النزاع.
في غزة، غياب طرف محايد ومستقل لمراقبة الالتزام خلق مناخًا من عدم الثقة المتبادلة بين الأطراف.
المراقبة الميدانية الشاملة
وجود بعثات ميدانية في كوريا ساعد على توثيق أي انتهاكات بسرعة واتخاذ التدابير اللازمة لمنع التصعيد.
في حالات مثل غزة، غياب المراقبة الميدانية أدى إلى تراكم الانتهاكات الصغيرة التي تطورت لاحقًا إلى موجات كبيرة من العنف.
المحاسبة وضمان التنفيذ
في كوريا، آلية المحاسبة الدولية منعت الأطراف من التنصل من التزاماتها.
في غزة، غياب أدوات المحاسبة الدولية شجع الأطراف على انتهاك وقف إطلاق النار بدون عواقب واضحة.
حالات أخرى تحتاج إلى مراقبة فعالة
الصراع في سوريا:
على الرغم من التوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار في بعض المناطق، لم تُفعَّل آليات دولية مستقلة لمراقبة التنفيذ. هذا سمح بانتهاكات واسعة من قِبل الأطراف المختلفة، مما أدى إلى انهيار تلك الاتفاقات.
الحرب في اليمن:
رغم توقيع اتفاق ستوكهولم عام 2018 بين الحكومة اليمنية والحوثيين، إلا أن عدم وجود آلية مراقبة قوية حال دون تطبيق الاتفاق بالكامل، واستمرت المواجهات في مناطق مثل الحديدة.
التوصيات لتطوير آليات فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار
تعزيز دور الأمم المتحدة:
يجب أن تكون الأمم المتحدة الجهة الرئيسية المشرفة على مراقبة وقف إطلاق النار، لما تتمتع به من خبرة وحيادية.
توظيف التكنولوجيا الحديثة:
استخدام الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار يمكن أن يُسهم في تحسين مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار.
تمويل مستدام وآليات عقوبات:
يجب أن يكون هناك تمويل مستدام للبعثات الميدانية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الأطراف التي تنتهك الاتفاقيات.
الخاتمة
إن وجود آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان السلام والاستقرار. التجربة الكورية تُظهر أهمية الالتزام بآليات دولية محايدة وفعالة، بينما تُبرز حالة غزة الحاجة الملحة لتطوير مثل هذه الآليات لتجنب تكرار دوامة العنف. تعتمد فعالية هذه الآليات على الحيادية، المراقبة الميدانية الشاملة، وضمان المحاسبة، وهي عوامل يجب تعزيزها في كل اتفاق لوقف إطلاق النار.