”مذكرتا اعتقال بحق نتنياهو وغالانت .. بين الرمزية والاختبار الجاد للإرادة الدولية”
النهار نيوزسمير السعد
في خطوة تعد سابقة في سياق الصراع الفلسطيني العربي الإسلامي _ الصهيوني ، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. القرار، رغم كونه ورقة قانونية في ظاهره، يحمل أبعاداً أعمق تعكس تحولات متصاعدة على الساحة الدولية والمحلية، وتفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول جدوى العدالة الدولية وإرادتها في مواجهة ازدواجية المعايير.
منذ عقود، سعت القضية الفلسطينية إلى انتزاع اعتراف عالمي بجرائم الاحتلال الصهيوني . هذه المذكرات تمثل انتصاراً معنوياً على المستوى الإعلامي والدبلوماسي، حيث وضعت العدو الصهيوني في موقف المجرم المدان أمام المجتمع الدولي، وهو أمر قد ينعكس إيجاباً على حراك المقاومة الفلسطينية وشعبيتها.
صدور المذكرات يضع القوى الكبرى أمام اختبار صعب. هل ستُفعل المذكرات، أم ستبقى حبيسة الأدراج بسبب التحالفات الدولية؟ التجارب السابقة تشير إلى أن القوى الكبرى غالباً ما تتجاهل قضايا كهذه إذا مست مصالحها، وهو ما يفضح ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.
داخلياً، هذه الخطوة قد تضعف موقف العدو الصهيوني أمام شعبها وحلفائها. فالصورة التي تحاول تل أبيب ترويجها كدولة “ديمقراطية” تتعرض الآن لضربة قوية، مما قد ينعكس في تضاؤل الدعم الشعبي والدولي لها.
رغم أهمية هذه الخطوة، تبقى العدالة الميدانية - المتمثلة في مقاومة الاحتلال على الأرض _ أكثر تأثيراً في مسار التحرر الفلسطيني. القرارات الدولية قد تكون أدوات ضغط، لكنها ليست بديلاً عن العمل الميداني.
يبقى السؤال: هل نحن أمام بداية تحول جذري في المشهد الدولي أم أن هذا القرار مجرد صرخة رمزية سرعان ما تخفت؟ نجاح المحكمة الجنائية في تنفيذ مذكراتها سيعيد الاعتبار للعدالة الدولية، أما فشلها فسيؤكد انهيار ما تبقى من هيبتها .
مذكرتا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ليستا مجرد إجراء قانوني . بل تمثلان صرخة لإعادة ترتيب المشهد السياسي في المنطقة. ورغم الصعوبات، فإن هذه الخطوة قد تشكل بداية تحول حقيقي إذا تم البناء عليها شعبياً ودولياً، وإلا فستبقى مجرد حبر على ورق في عالم تحكمه المصالح والقوة.
على الرغم من الرمزية الكبيرة لهذه الخطوة، يواجه تطبيق مذكرتي الاعتقال تحديات معقدة. فمن الناحية الواقعية، الكيان الصهيوني ليس طرفاً في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، ما يجعله يرفض أي التزام قانوني بقرارات المحكمة. إضافة إلى ذلك، يحظى نتنياهو وغالانت بدعم دول كبرى، أبرزها الولايات المتحدة، التي قد تعمل على تعطيل تنفيذ هذه المذكرات حفاظاً على علاقتها الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني
في المقابل، يمثل هذا القرار فرصة ذهبية للمجتمع المدني الفلسطيني والدولي لتكثيف الضغوط الإعلامية والقانونية، خاصة في الدول الأوروبية المنضوية تحت لواء المحكمة الجنائية. هذه الضغوط قد تسهم في تقييد حركة مسؤولي العدو الصهيوني دولياً، مما يضعهم تحت رقابة دائمة ويعزز عزلتهم السياسية.
في هذا السياق، يتحتم على الدول العربية والإسلامية استغلال هذه اللحظة لإعادة طرح الجرائم الإسرائيلية في المحافل الدولية. التحرك العربي لا ينبغي أن يقتصر على بيانات الإدانة، بل يجب أن يتضمن
"دعم القضية قانونياً " عبر تمويل فريق دفاع فلسطيني متخصص قادر على متابعة الإجراءات في المحكمة الجنائية.
"حشد الدعم الدبلوماسي" لضمان استمرار الضغط على الدول الكبرى لتنفيذ المذكرات.
"تعزيز المقاومة الشعبية " من خلال تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للمجتمعات الفلسطينية.
يبقى السؤال الأهم: هل سنشهد تحولاً جذرياً في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، أم ستبقى هذه المذكرات مجرد خطوة رمزية؟ الإجابة تعتمد بشكل كبير على قوة الحراك الفلسطيني والدولي في استثمار هذا الحدث سياسياً وإعلامياً.
ورغم التحديات، لا يمكن إنكار أن هذه الخطوة وضعت إسرائيل في زاوية حرجة، وأعطت للقضية الفلسطينية زخماً جديداً. لكن تحقيق العدالة لا يزال مرهوناً بالإرادة الدولية، وهي إرادة طالما اختبرت أمام الاحتلال، ولم تنجح في تخطي عقبة المصالح السياسية.
اخيرا يبقى المشهد القادم تحدي الصمود والاستمرار سواء تم تنفيذ المذكرات أم لا، فإن الطريق نحو العدالة الفلسطينية طويل ومعقد. لكن هذه الخطوة تذكير بأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، وأن صمود الفلسطينيين على أرضهم سيبقى المحرك الأساسي لتغيير معادلة القوة، مهما كانت العقبات.