الخميس 14 نوفمبر 2024 10:52 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : فض الاشتباك بين مجلس الأمن و الجمعية العامة للأمم المتحدة

النهار نيوز

أثارت القرارات الأخيرة التي صدرت عن القمة العربية الإسلامية في الرياض جدلا كبيرا ، وزعم البعض أن جامعة الدول العربية بصدد التحرك إلي نيويورك من أجل تعليق عضوية إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة ، وبالرغم من التبني المبدئي للمنظمة لعالمية العضوية .

في هيكلية الأمم المتحدة، يشكل مجلس الأمن والجمعية العامة الجهازين الرئيسين الذين يعبران عن دور المنظمة في تحقيق الأمن والسلام الدوليين وتنسيق التعاون الدولي. ولكن، ورغم كونهما جزءًا من نفس المنظمة، هناك تباين كبير في صلاحيات وأدوار كلا الجهازين، حيث يمتلك مجلس الأمن صلاحيات تنفيذية ملزمة، بينما تقتصر قرارات الجمعية العامة على توصيات غير ملزمة، مع استثناءات محدودة.

مجلس الأمن: الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة

مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد في الأمم المتحدة المخول باتخاذ قرارات ملزمة قانونيًا على الدول الأعضاء، وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وتتمثل مهامه الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، ويشمل ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع نشوب النزاعات أو التصعيد إلى نزاعات أكبر، سواء عبر التدخل الدبلوماسي أو فرض العقوبات أو حتى استخدام القوة العسكرية عندما يلزم الأمر. ويتمتع مجلس الأمن بسلطة تتجاوز صلاحيات الجمعية العامة، حيث يمكنه اتخاذ قرارات لا يمكن تجاوزها، حتى من الجمعية العامة نفسها.

وتشمل التوصيات الملزمة التي لا تستطيع الجمعية العامة تخطيها قرارات مجلس الأمن المتعلقة بقبول الأعضاء الجدد في الأمم المتحدة، وتعليق عضوية دولة أو فصلها من المنظمة. فعندما يطلب بلد جديد الانضمام للأمم المتحدة، يقرر مجلس الأمن ما إذا كان يوصي بقبوله، ويكون قراره ملزمًا وشرطًا لموافقة الجمعية العامة على العضوية. كذلك، في حال ارتكاب دولة عضو مخالفات جسيمة لميثاق الأمم المتحدة، يمكن لمجلس الأمن أن يقرر تعليق عضويتها أو حتى فصلها من المنظمة، ويكون قراره هذا ملزمًا ونهائيًا.

هذه السلطات التنفيذية تجعل مجلس الأمن أشبه بهيئة إنفاذ القانون داخل الأمم المتحدة، وهو مسؤول عن ضمان الالتزام بقرارات المنظمة وتطبيقها عند الضرورة. ولعل هذه الصلاحيات التنفيذية للمجلس تأتي من طبيعة عضويته وطريقة اتخاذ القرارات داخله، حيث يتكون المجلس من 15 عضوًا، منهم خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (الفيتو)، ما يمنحهم سلطة غير محدودة في منع صدور أي قرار لا يتفقون معه.

الجمعية العامة: المنتدى العالمي للنقاش والتوصيات

في المقابل، تُعد الجمعية العامة بمثابة منتدى لمناقشة القضايا التي تهم جميع الدول الأعضاء، حيث تشارك فيه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويكون لكل دولة صوت واحد بغض النظر عن حجمها أو نفوذها. يتمثل دور الجمعية العامة في مناقشة القضايا الدولية واقتراح التوصيات التي قد تساعد على تحسين الوضع العالمي وتعزيز التعاون الدولي.

ورغم أن للجمعية العامة دورًا مهمًا في مناقشة القضايا المختلفة، فإن قراراتها ليست ملزمة للدول الأعضاء، وتعد توصيات سياسية فقط. فعلى سبيل المثال، تتناول الجمعية العامة قضايا مثل التنمية المستدامة وحقوق الإنسان والبيئة والصحة العامة، وتصدر توصياتها بشأن هذه القضايا دون أن يكون لها أثر قانوني تنفيذي على الدول الأعضاء. ومن هنا، يمكن اعتبار الجمعية العامة أشبه ببرلمان عالمي، يجمع ممثلين من جميع أنحاء العالم لمناقشة وتبادل الآراء، لكنه لا يمتلك سلطة تنفيذية لإلزام الدول بما يصدره من توصيات.

القرارات الاستثنائية للجمعية العامة

رغم أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة في معظم الحالات، هناك استثناءات تتعلق ببعض القضايا المحددة، وأهمها القرارات المتعلقة بميزانية المنظمة. وفقًا للميثاق، تتمتع الجمعية العامة بسلطة حصرية لاعتماد ميزانية الأمم المتحدة وتحديد قيمة مساهمة كل دولة عضو فيها. كما يتم اعتماد الميزانية بأغلبية الثلثين من الأصوات، مما يعطي الجمعية العامة دورًا قويًا في إدارة شؤون المنظمة المالية.

إضافةً إلى ذلك، تمكنت الجمعية العامة، في بعض الحالات الخاصة، من تجاوز الدور التقليدي عبر قرارات أكثر تأثيرًا. على سبيل المثال، اعتمدت الجمعية العامة عام 1950 قرار "الاتحاد من أجل السلام" (الاتحاد من أجل السلام)، والذي يسمح لها بالتدخل في بعض الحالات الطارئة إذا عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بسبب استخدام الفيتو من أحد الأعضاء الدائمين. ينص هذا القرار على أنه في حالة وقوع تهديد للسلام أو اعتداء أو انتهاك للسلام الدولي، وعدم تمكن مجلس الأمن من اتخاذ قرار بسبب تباين مواقف الأعضاء الدائمين، يمكن للجمعية العامة أن تعقد اجتماعًا طارئًا وتوصي باتخاذ إجراءات جماعية لحفظ السلام.

ورغم أهمية هذا القرار، فإن توصيات الجمعية العامة في هذه الحالات لا تزال غير ملزمة قانونيًا، وتظل توصيات سياسية تحتاج إلى توافق الدول الأعضاء لتنفيذها، وهنا نجد الكثرة الكاثرة من القانونين في العالم العربي يبالغون في القيمة أو المركز القانوني لهذا القرار .

دور الجمعية العامة في إصدار المعاهدات والاتفاقيات الدولية

تلعب الجمعية العامة دورًا مهمًا في صياغة وتطوير القانون الدولي من خلال المساهمة في إصدار المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ورغم أن الجمعية العامة لا تملك سلطة تنفيذية، إلا أنها تساهم بشكل كبير في إعداد مسودات الاتفاقيات الدولية وعرضها على الدول الأعضاء للتصديق عليها. ومن الأمثلة على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1948، ويعتبر أساسًا لكثير من المعاهدات الدولية التي تلت ذلك.

كما تعمل الجمعية العامة على تطوير القانون الدولي من خلال لجانها المختلفة، مثل اللجنة السادسة المعنية بالشؤون القانونية، والتي تقوم بصياغة وتطوير القوانين الدولية في مجالات متعددة، مثل القانون البحري وحقوق الإنسان والقانون البيئي.

توازن الصلاحيات بين مجلس الأمن والجمعية العامة

يساهم تقسيم الأدوار والصلاحيات بين مجلس الأمن والجمعية العامة في تحقيق توازن بين السلطة التنفيذية وصلاحيات النقاش وتبادل الرأي داخل الأمم المتحدة. فبينما يتمتع مجلس الأمن بسلطة اتخاذ القرارات التنفيذية التي يجب على الدول الالتزام بها، تتولى الجمعية العامة دورًا استشاريًا وتوصيفيًا، يتيح للدول مناقشة قضايا مختلفة وبناء توافق دولي حولها.

ورغم اختلاف الصلاحيات بين المجلسين، فإن كلا الجهازين يكملان بعضهما البعض، حيث يقوم مجلس الأمن بتنفيذ القوانين الدولية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ السلم والأمن، بينما تمثل الجمعية العامة منبرًا شاملًا لمناقشة قضايا المنظمة وتبادل الرؤى حول التحديات العالمية.

خاتمة

يُعتبر مجلس الأمن والجمعية العامة الركيزتين الأساسيتين التي ترتكز عليهما الأمم المتحدة لتحقيق أهدافها في حفظ السلام والأمن الدوليين وتعزيز التعاون الدولي. فبينما يمثل مجلس الأمن الجهاز التنفيذي الذي يُنفذ القوانين الدولية ويتخذ الإجراءات الضرورية لحفظ السلم، تعد الجمعية العامة بمثابة منتدى عالمي لطرح القضايا ومناقشتها وإصدار التوصيات حولها.

رغم أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونيًا وتعد توصيات سياسية، فإنها تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام الدولي وبناء توافق عالمي حول القضايا المهمة. ويبقى للجمعية العامة دور رئيسي في إعداد المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تؤثر على القانون الدولي وتعزز حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.