الجمعة 18 أكتوبر 2024 06:56 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

مصائر إنسانية من التساؤل والألم.. هذيان مجموعة قصصية للأديب القاص مصطفى العارف

الناقد العراقي عقيل هاشم
الناقد العراقي عقيل هاشم

الناقد العراقي _ عقيل هاشم

يعد الأديب الدكتور مصطفى لطيف عارف ، من النقاد والكتاب المعاصرين، الذين حاولوا كتابة النص النقدي/القصصي بطرق جديدة ، إبداعا وتنظيرا ونقدا. طرق أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ترتهن بوعي وخلفية معرفية ، التي ما فتئ أديبنا العارف في التحرك في أراضي المعرفة وأرخبيلاتها، والانفتاح على كل أنواع الكتابات الإبداعية، ولاسيما في مجال القصة القصيرة لإنتاج نصوص مغايرة مختلفة. يقول كاتب مقدمة المجموعة القصصية (هذيان) الأديب زيد الشهيد (يميل القاص الدكتور مصطفى لطيف في مجموعته –هذيان- تميل إلى التعامل مع شخصية واحدة لا تتسع مساحة القصة وهيكلتها لحركة وتفاعل شخصية ثانية وثالثة وأكثر هذا إلى جانب عنصر –المفارقة- تلك التي تشكل صدمة للقارئ تجعله يشعر بعد انتهاء قراءة انتهاء قراءة القصة بحذق الكاتب وبراعته في كبح جماح خيال القارئ الذي يريد له التجول في فضاء قص طويل وأطول ...الخ)

د.مصطفى العارف يرى أن من مهام الكاتب المعاصر التمرد على المألوف والتقليد، نكتشف ذلك من خلال عناوين قصصه، لكي نتأكد من مدى حرصه الشديد على تأسيس كتابة القص –السهل الممتنع-، انطلاقا من خلفية معرفية. وإن المتتبع للمنجز القصصي للدكتور العارف سيلاحظ كيف إنه يخلق قصصا تعبّر عن تجربة إنسانية شاملة ومتعددة الأبعاد.

ففي عمله القصصي الجديد (هذيان )والصادرة عن مؤسسة امارجي للطباعة والنشر 2024...

نراه يكتب بما تمليه عليه خبرته الجمالية والإنسانية ، انطلاقا من وعيه الخاص، هي ما تشكل مشروع الكتابة عنده. ففي هذا العمل القصصي، والحق إن قارئ هذا العمل كما باقي أعمال الدكتور العارف ، سيلحظ أنه ينطلق من خلفية معرفية ثرة وغنية، جعلته يدون بأدق التفاصيل مدونات سردية ومحطات حياتية مر بها.

عتبات المجموعة القصصية –هذيان- ابتداء من صورة وعنوان وإهداء تحيل على مضمون حميمية القصص ، وجاء الإهداء –إلى توأم الروح وعشيقة الفؤاد أهديك حروفي قلادة من الإبداع على جيدك الطاهر ...- كعتبة مائزة من حنان- وئام ورفقة ومالها من تأثير معنوي على الكاتب، ألم يقل جبرا إبراهيم جبرا إن رحلة الحياة تبدأ من الرفقة الأولى بئر أولى , رفقة وجهاد وتربية والتي تشربها الكاتب من العائلة والجو الحميمي الذي تعلمه وعاد غرسه بعائلته الصغيرة بفضل رفيقة دربه .

وتزيد عناوينه القصصية كعتبة أخرى في إضاءة عتمات القصص ودهاليز متونها السردية ، وتفصح عن منطوقها ومضمرها، عن مختلف محطاته التي رصدها من تداعيات الحنين إلى أيام خلت. في المحصلة هي سياحةٌ في يوميات غارقة بالذكريات الملحة على الكاتب بالظهور عنوة ، أقول ليست الكتابة اختيارا. ثمة نداء، يأتي من جهة ما، تلك هي الذكريات المحمومة، التي لا تتراجع أبدا، بل تذهب بلا هوادة، صوب هذا القادم المعتم، تخوضه، بما فيه من تفاصيل غارقة بالأسى.

هو ما يقود الكاتب إلى عالم من الغموض والدهشة كما أن الكاتب يستخدم أسلوب السيمياء لإظهار العلاقة بين الإنسان والعالم ،

العناوين:(بائع السكائر-قاتل مجهول-رؤيا- لعوب- غبار الرفوف – الفقيدة- محترف- متهم-اعتقال-نهر العطاء- صامت- صاحب المكتبة –زخات المطر- الغيور- ندم- طائر الوجد- موظفة بعقد- مديرة مدرسة –حب قديم- اخرس –رسامة- الشهيد- الفائز –معركة- اغتيال العلم –سوء فهم- مسافر- معتوه –نحر الحقيقة –مجنون- مدمنة- جميلة –موت الإنسانية- حلم اليقظة –رحلة – أبله – القتل –جدي –صحف –هلوسة –عالم –اغتيال الثقافة –دمار –اعتقال مدرس –ليلة الحجة –لوشا –المقبرة –المظلوم –أم سامي –اغتصاب -...)

الكاتب يقترف فعل الكتابةِ من خلال تلك العناوين ، حيث يضعُ اللغةَ في مهبِّ اليدِ لا تتردّدُ في جرِّ اللغةِ إلى منطقة الدهشة والانجذاب ألحكي بكل احتمالاته. لذلك نجده يبني النص، أيُّ لغة تستطيع قول ما لا يُقال في بعض الأحيان ، لغةُ طيِّعةٌ في يدٍ تُشكِّلُ الكلام لحظةَ الكتابةِ، بعيدا عن أيِّ عسفٍ.

انتصارا للدهشة والمباغتة، وأعني بذلك إرباك وظائف حواسنا وتداخلها، من خلال تحويل السمعي إلى بصري، والبصري إلى سمعي وهكذا. وسأترك القارئ مع بعض المقاطع التي وظفت تقنية المونتاج:

(قصة محترف .. نور الدين فنان جزائري محترف تتجسد اللوحة عنده كأنها صورة فوتغرافية حقيقية فاز بجوائز عالمية عدة في العام الواحد يرسم لوحة واحدة لكنها تفوز لقدرته الفنية على مزج الألوان بعضها مع البعض الآخر وابدعاته النقدية في فن الرسم الانطباعي فهو ناقد انطباعي متميز تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة السوربون ...الخ)

أقول ان الذي يؤرق شخصيات تلك القصص تؤرق الإنسان في علاقته بالآخر. انطلاقاً من شغف يروم اقتحام المجالات والنبش في الثقافات، اقتضى من الكاتب اعتماد طريقة أساسها التشويق فعلاً وكتابة. يلاحظ القارئ أنها لوحات من التسلح بالمغامرة في تجربة الرغبة في الاكتشاف في عملية تحويل هذه التجربة إلى نصوص حركية تشاركية مع المتلقي وقد لعب الكاتب على الوصف ومنح مسافات حوارية حرة ما جعل من الذوات ذواتا على الرغم من القسوة والألم لكنها معجونة بالأمل.

أما عن العنوان الرئيسي للمجموعة القصصية (هذيان )هو عنوان متماه مع روح القصص من تداعيات مربكة من / التذكر والنسيان/ الموت والحياة / التحرر والخضوع/ الاستبداد والعدالة/ الزيف والحقيقة، وبين ما هو كائن وما يجب أن يكون.

قد لا يبدو الخيط الناظم بين هذه الأجزاء واضحا في البداية، وتلك لعبة السرد التي توهمك بأنها مجموعة قصص منفصلة ولكن موضوعها العام –الذات/ الآخر- يجعلها مترابطة بحيث تكون أشبه بالمرآة التي نعبر منها للآخر،

(قصة القتل على الهوية ...توقفت السيارة وسط صحراء موغلة بالقدم وأصوات رياح عالية تطلق اصواتا مخيفة ترن في مسمعنا أجواء صاخبة فتحت باب السيارة بهدوء صدمتني ذرات الرمل الحمراء وهي تتطاير وتتراقص مع الرياح وكأنها تقدم التحية ألينا , دخل الرعب إلى قلوبنا كانت معنا امرأة . طفلان يجلسون في المقعد الخلفي من السيارة التي تقلنا من الرمادي إلى البصرة ...الخ )

كمبحث أساسي للفكرة سردها كاتبها بشكل واع على طريقة الكتابة ملتزمة بأسس كتابة القصة وإن ركز على خلق نهايات مفاجئة لسير الخط الدرامي، حتى تدفع القارئ إلى مشاركته في وضع إمكانات أخرى للنهاية، بالإضافة إلى لغة متناسبة مع موضوع الحكي وطبيعته ما يجعل النص منسابا وهادئا، دون تكلف أو تصنع أو تعال على القارئ لذلك فهي مجموعة قصصية للجميع ولأمزجة مختلفة ولتأويلات كثيرة ممكنة. قصص مكثفة المعاني والدلالات، ومتدفقة في اتجاهات متعددة لا تفرض علينا فهما أو تقبلا معينا، أو أيديولوجيا محددة، تدفعنا فقط لمواجهة ذواتنا والتحدث مع وجوهنا المتعددة وتقبل وجوه الآخر أو رفضها. تضعنا أمام الحلم والواقع، الوهم والاستسلام، والتقبل، والخضوع والتمرد، دون أن تعطينا خريطة طريق واضحة فقط تكتفي الكاتب بتقديم مفتاح سردي مختلف من نص إلى آخر . هذه المجموعة ما هي إلا وجه آخر لكل إنسان يبحث عن معني أن يكون إنسانا.

0e133e1691e2.jpg
d835dd8fba8f.jpg
عقيل/هشم