الأحد 8 سبتمبر 2024 03:05 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. محمد يحيي يكتب: أصحاب الهمم.. أبطال في انتظار الفرصة

د. محمد يحيي
د. محمد يحيي

أخذت الطفلة الصغيرة تتهادى في مشيتها في ارجاء الفندق الفخم و في يدها لعبة اطفال و في اليد الاخرى جزء من شطيرة، و بدا عليها بوضوح انها من ذوي الهمم المصابين بمتلازمة داون و كانت ثيابها الأنيقة و تسريحة شعرها الجميلة توحي بأسرة تغمرها بالحنان و المحبة. و كانت البراءة المصاحبة لكونها من ذوي الهمم قد انضمت إلى براءة الطفولة لتكسبها قدر من الملائكية و السماحة و البراءة الطاغية التي تلفت الانتباه. و رغم الجمع الكبير من المتواجدين و رغم أجواء إجازات نهاية العام و رغم الأجواء الاحتفالية التي تشد الكثيرين الا ان الطفلة الصغيرة قد جلست وحدها قريبا من اسرتها و أخذت تنهمك في لعبها لوحدها و تلهو في عالمها البرئ الهادئ الصغير و إن الناظر اليها وسط هذا الزحام من الناس و وسط الاضواء و الأصوات العالية و الأجواء الإحتفالية ليتساءل في فضول و عطف عما يدور في خلد هذا الملاك الصغير الذي كأنه يقول دعوني ألهو وحدي في عالمي الملائكي المستقل بذاته.
هذه الطيبة البالغة و هذه البراءة و السماحة الزائدة تكاد تكون سمات مشتركة سائدة بين الأطفال من ذوي الهمم الذين يعانون من ظروف خاصة ذهنية أو بصرية أو سمعية أو حركية. إن الظروف الخاصة التي ألمت بهم مع براءة الطفولة و حداثة السن قد ألبستهم حلة من الملائكية و من رفاهة الحس و النقاوة البالغة. و من أشد ما يحتاجه هؤلاء الأطفال هو شيوع ثقافة كيفية التعامل السليم و الإيجابي مع ذوي الهمم و انتشار الوعي بكيفية التفاعل البناء معهم و كيفية إيصال رسائل العطف و المحبة و المعاونة بطريقة تساعدهم فعلا و لا تثير فيهم الإحساس بالنقص أو الحرمان و كذلك ضرورة تقبل بعض التصرفات أحيانا التي تمليها الظروف الخاصة و التي لا يخالطها أي تعمد. إن هذه الثقافة في التعامل لا تقتصر على مجرد العطف و الرغبة في المعاونة فقط و لكنها تمتد للفهم الجاد لأساسيات الظروف الخاصة التي يعاني منها هؤلاء الأطفال و طبيعتها و لمبادىء التعامل السليم الذي يساعدهم و يتجنب اي أذية لمشاعرهم و لو بدون قصد كما يمتد الى كيفية تقديم العون الانساني و القانونى السليم في مواجهة المتنمرين و المستغلين. و عند مطالعة بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء و الذي كشف أن نسبة من يعانون من اعاقة ذات صعوبة بسيطة الى مطلقة قد وصل الى 11% عام 2022 و عند حساب اعداد الأسر أيضا التي يعنيها الأمر، فإنه يتضح لنا مدى ضخامة العدد المتأثر و مدى أهمية نشر الوعي بكيفية التعامل السليم مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
و هذه الظروف الخاصة كثيرا ما يصاحبها هبة من الخالق تتمثل في موهبة متفردة او عبقرية نادرة تذهل الجميع و تضع صاحبها في مصاف النابغين و العظماء. فتوفير الظروف الملائمة و التشجيع المطلوب و شيوع ثقافة التعامل الودود السليم يفجر طاقاتهم الكامنة و يخرج العبقريات المدفونة و يساعدهم على الإرتقاء في سلم المجد و طريق التميز و النجاح. و التاريخ القريب و البعيد يزخر بالأمثلة الكثيرة على هؤلاء النابغين و العباقرة من ذوي الهمم الذين تبوءوا أعلى المنازل في مختلف المجالات و استحقوا غاية التكريم و التقدير و الذين أثبتوا أن ذوي الهمم بهم من الطاقات و المواهب الكثير و الكثير و انهم بحق أبطالا في إنتظار الفرصة.
بقلم دكتور/ محمد يحيى (كاتب و مدرس الميكروبيولوجيا و المناعة بكليةالصيدلة)

محمد/يحيي