د. إنجي فايد تكتب: ..”ولا تنسوا الفضل بينكم
النهار نيوز"ده فين حبيبي في فراش المنام.. وسعد قلبي عدى المرام.. زال البعاد أبدًا ما أفارقك.. وأيدي في أيدك دايمًا معاك.. أروح واجي دائمًا أصاحبك.. في كل سكة على هواك.. هو اللي سواني ست البنات.. وما عمره أبدًا خان الوداد".. هذه الكلمات التي ننقلها باللغة العامية لتكون أقرب لواقعنا، تحدثت بها امرأة في حالة حب وهي تتغزل في حبيبها من ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد، وتبين - وفقًا لكتاب "سيدة العالم القديم" للدكتور زاهي حواس - أن الفراعنة تغنوا بكلمات الحب، ونفس المصدر الذي احتوى على الأبيات الشعرية أعلاه.
ليس هذا فحسب؛ بل تكشف البرديات أن الفتيان غازلوا محبوباتهم غزلًا صريحًا، ومن أشهر الأغاني العاطفية في هذه الأزمنة، ظهرت أغنية في بردية "Chester Beatty" ورد بها الكلمات الآتية: "حبيبتي وحيدة فريدة.. فهي الوضاءة التي تشع بنورها، براقة العينين، حلوة الشفتين حين تنطق بهما، لا تنبس بكلمة فضول، طويلة العنق، ناعمة الملمس، ذراعها تفوق الذهب حلاوة، لمسة أصابعها كأنها لمسة زهرة اللوتس..".
قصص الحب عند المصري القديم كثيرة، ومن أشهرها وقوع "الملك بيبي I"- الأسرة 6- في حب ابنة والي الصعيد وتزوج منها وأنجب الملك "مرنرع" ولي العهد، في سابقة أولى من نوعها بزواج الملك من بنت من عامة الشعب، إلا أن الملك أعجب بشخصيتها وذكائها ورقتها، فنشأت قصة حب عظيمة انتهت نهاية سعيدة وزواج غير تقليدي، وانتشرت قصة حبهما بين الشعب لما احتلته "تي" من مكانة في قلب الملك؛ لدرجة أن أمر الملك نحاتيه بأن تمثل زوجته "تي" بنفس حجم تمثاله وهو شيء غير معهود بين الملوك وقنذاك، وتم توزيع "الجعارين" منحوتا عليها اسمهما معًا احتفالًا بالزواج.
كما أمر امنحتب بدفن والدها بالأقصر بين الملوك تمجيدًا وتعظيمًا لمكانتها، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أمر الملك "أمنحتب الثالث" بأن يبني لها قصرًا أسماه "قصر الملقطة" على الضفة الغربية بالأقصر به بحيرة وتشييد مركب من الذهب لها.
ومن خلال التاريخ ومعرفتنا به، اتضح أن "الحب دساس" مثلما يقال في الأمثال؛ حيث نجد ابن الملك "أمنحتب الثالث" وهو الملك "أخناتون" يقع في حب الملكة "نفرتيتي" وتنجب له ست بنات ويظهر مع بناته وهو يداعبهن ويقبلهن، وفي صور أخرى يداعب الملك زوجته "نفرتيتي"، وهو حدث غير مسبوق لم يصور كثيرًا.
ومن القصص النادرة، زواج ابنة الملك من أحد الرعية، وتعد السابقة الأولى من نوعها في التاريخ الفرعوني، حينما تزوجت الابنة الكبرى لـ"شبسسكاف" آخر ملوك الأسرة الرابعة وابن الملك "منكاورع" من شاب من أعيان الصعيد، يدعى "شبسسبتاح" الذي تربى في قصر الملك منكاورع؛ حيث وقع "شبسسبتاح" والأميرة في غرام بعضهما ووافق الملك على زواج ابنته من أحد الرعية نزولًا على رغبتها.
مناظر عديدة تعبر عن الحب، تم تصويرها على الجدران، تحكي لنا قصصًا ترتاح لها القلوب عندما نتأملها.. وتشتعل قلوبنا برقة هذه القصص التي توقظ ومضة سلام وشعور بالرضا في أنفسنا.
لقد كانت "حتحور" قديمًا، رمزًا للحب والموسيقى والجمال وحامية المحبين، وشبهها اليونانيون بـ"أفروديت" رمز الحب والجمال، وعند الرومان "فينوس"، ولا تزال آثارنا تشهد لنا وعلينا، وتحفزنا للتساؤل: كيف نجح المصري القديم في علاقاته الإنسانية، فدائمًا يبقى الحب والسلام. حتى عند الخلاف في المشكلات الأسرية، كان يختلف وينفصل ويطلق بعدل والتزام، فلم ينس الفضل لمن سعى معه حتى ولو كره.
ونحن نحتفل بـ"عيد الحب" – أمس 14 نوفمبر لدى المصىريين و4 فبراير عالميًا - دعونا نطلق يومًا من أجل حماية الأسرة المصرية، لتذكر من سعى وكد معنا، ولنخرج من رحم هذا اليوم بآلية تشريعية لتعويض المرأة المطلقة وتحفظها من أن تكون سائلة أو محرومة، وأن تحصل المطلقة أو الأرملة على نصيب معلوم كدين تستوفيه مما يمتلكه الزوج من ثروة طوال فترة الزوجية باعتبارها شريكة له في الكد والسعي في الحياة، ولأنها كانت داعمًا له فيما حققه طوال فترة الزوجية.
فلا يجب أن يتركها الرجل بعد فترة زواج طويلة بلا أمان حقيقي في حياة مكلفة في وقت لم تستعد له بالادخار، بل استثمرت حياتها كلها من أجل نجاح أفراد أسرتها، مضحية بنفسها لإسعادهم.
وهل نحلم بيوم يتحول فيه بعض من أفراد المجتمع من فكر ذكوري إلى آخر متنور يلتزم بإحقاق الحق.. إنها مجرد دعوة إلى أن يكون هذا المطلب محل دراسة من أهل الفقه والقانون للخروج بتشريع قانوني يحمي المرأة المطلقة والأرملة، استنادًا لقوله تعالى "وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ"..
* نقلا عن بوابة الاهرام