د. أيمن سلامة: هل ترضخ إيران لشروط ترامب؟


تجد إيران نفسها اليوم في مفترق طرق حرج، حيث تتصاعد الضغوط عليها بشأن برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي المتنامي. ومع عودة شبح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى واجهة السياسة الأمريكية، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة طهران على الصمود في وجه شروطه الصارمة، وما إذا كانت ستضطر في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات مؤلمة لحماية نفسها من خطر المواجهة العسكرية المحتملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
لا شك أن الملف النووي الإيراني يمثل نقطة خلاف جوهرية ومستمرة منذ عقود. لطالما أكدت طهران على سلمية برنامجها النووي وحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، بينما تتخوف القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، من سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. وقد شهد هذا الملف محطات مفصلية عديدة، أبرزها الاتفاق النووي لعام 2015 الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العالمية، والذي قيد برنامج إيران النووي مقابل رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية.
إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً، ففي عام 2018، اتخذ الرئيس ترامب قراراً أحادياً بالانسحاب منه، واصفاً إياه بأنه "أسوأ اتفاق على الإطلاق"، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران بهدف الضغط عليها لتقديم تنازلات أوسع تشمل برنامجها الصاروخي وسلوكها الإقليمي. وقد ردت إيران تدريجياً بتقليص التزاماتها بموجب الاتفاق، وتوسيع أنشطتها النووية، مما زاد من حدة التوتر مع الولايات المتحدة وحلفائها.
اليوم، ومع احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تخشى إيران من سيناريو مشابه أو حتى أسوأ، حيث من المعروف عن الرئيس السابق تبنيه لنهج أكثر صرامة وعدائية تجاه طهران. قد يطالب ترامب بشروط جديدة وأكثر تقييداً لبرنامج إيران النووي، وقد يلوح بالخيار العسكري كأداة ضغط حقيقية.
في المقابل، تسعى إيران جاهدة للحفاظ على "مكتسباتها" في مجال التصنيع النووي السلمي، والتي تعتبرها حقاً سيادياً وإنجازاً علمياً. كما أنها تدرك تماماً المخاطر الهائلة التي قد تنجم عن أي ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية لمنشآتها النووية، والتي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها وتجرها إلى صراع واسع النطاق.
إلى جانب الملف النووي، يمثل النفوذ الإقليمي المتزايد لإيران تحدياً آخر يواجهها، فقد تمكنت طهران من بناء شبكة واسعة من الوكلاء والجماعات المسلحة في دول مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، مما عزز من دورها الإقليمي وأثار قلق خصومها، الذين يرون في هذا التوسع تهديداً لمصالحهم.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سترضخ إيران في نهاية المطاف لمطالب ترامب، بما في ذلك تقليص دعمها لأذرعها في المنطقة، مقابل تجنب خطر المواجهة العسكرية والحفاظ على جوهر برنامجها النووي؟
هناك عدة عوامل قد تدفع إيران نحو تقديم بعض التنازلات. أولاً، الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تعاني منها البلاد نتيجة للعقوبات الأمريكية قد تجعل من الصعب عليها الاستمرار في مواجهة مفتوحة. ثانياً، إدراك القيادة الإيرانية للعواقب الكارثية المحتملة لأي عمل عسكري قد يدفعها إلى البحث عن مخرج دبلوماسي يحفظ ماء الوجه ويجنب البلاد حرباً مدمرة. ثالثاً، قد ترى إيران في إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد فرصة لإعادة دمجها في النظام الدولي وتخفيف عزلتها.
ومع ذلك، هناك أيضاً عوامل قد تجعل من الصعب على إيران القبول بشروط ترامب. أولاً، تعتبر القيادة الإيرانية برنامجها النووي وحلفاءها الإقليميين جزءاً أساسياً من استراتيجيتها للدفاع عن نفسها وتعزيز نفوذها في المنطقة. تقديم تنازلات كبيرة في هذه المجالات قد يُنظر إليه على أنه ضعف وتفريط في المصالح الوطنية. ثانياً، قد تخشى إيران من أن أي تنازلات تقدمها لن ترضي ترامب، الذي قد يستمر في مطالبة بالمزيد. ثالثاً، هناك قوى داخل إيران قد تعارض بشدة أي تقارب مع الولايات المتحدة وتقديم تنازلات لها.
في ظل هذه المعطيات المعقدة والمتداخلة، من الصعب التكهن بالمسار الذي ستتخذه إيران في نهاية المطاف. إلا أنه من الواضح أن طهران تبحث عن مخرج يحمي مصالحها ويجنبها خطر الصدام العسكري. قد تكون مستعدة لتقديم بعض التنازلات التكتيكية في الملف النووي أو حتى في دعم بعض أذرعها الإقليمية، ولكن من غير المرجح أن تتخلى عن جوهر برنامجها النووي أو عن نفوذها الإقليمي بشكل كامل.
يبقى الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة، وإن كان الطرفان يسعيان لتجنبه نظرياً على الأقل. إلا أن أي تصعيد غير محسوب أو سوء تقدير يمكن أن يدفع المنطقة نحو صراع واسع النطاق ستكون له عواقب وخيمة على الجميع. لذا، فإن الحكمة والبراغماتية والتركيز على الحلول الدبلوماسية تبقى هي الخيار الأفضل لتجنب الكارثة وضمان الاستقرار الإقليمي. إن مستقبل المنطقة معلق على قدرة إيران والولايات المتحدة على إيجاد صيغة تفاهم تحترم مصالح الطرفين وتجنب شبح الحرب.
من الواضح أن إيران تسعى إلى إيجاد مخرج يحفظ ماء وجهها، ويجنبها حرباً مدمرة. قد تكون هناك تسوية مرحلية، أو اتفاق جديد، أو حتى تفاهمات غير معلنة. لكن في ظل الأوضاع المتوترة، فإن أي خطوة خاطئة قد تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية.