عيد فؤاد يكتب: للفن وجوه عديدة مُظلمة حان وقت رحيلها للمحافظة على قيم المجتمع

ساقني القدر لمشاهدة بعض الأعمال الفنية خلال شهر رمضان المبارك، ليس بهدف إضاعة الوقت، ولكن بحثا عن فحوى هذه الأعمال، وما تتناوله من مادة درامية، وهل هي بالفعل تقدم فنا راقيا جيدا يُعالج المشاكل الموجودة في المجتمع، أم هي مجرد أعمال فنية تجارية يبحث منتجيها والمشاركين فيها عن جمع الأموال فقط، ولا يهم إن كانت أعمالا جيدة أم هابطة، حيث يتم تقييمها بشكل واقعي من خلال المُشاهد العادي من عامة الشعب أولا، ثم النقاد والمتخصيين ثانيا .

للأسف ..لقد صُدمتْ فيما شاهدته من أعمال فنية في هذا الشهر الكريم، نظرا للإسفاف وتدني الأخلاق والانحطاط والعُري والبلطجة وتجارة المخدرات وغيرها من المُوبقات التي أساءت لنا جميعا وتشجع على ارتكابها وليس محاربتها، وقد ظهر ذلك جليا وواضحا في مُجمل هذه الأعمال التي شاهدتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل (فهد البطل) للمخرج محمد عبد السلام، بطولة أحمد العوضي، ميرنا نور الدين، أحمد عبد العزيز،و(إش إش) للمخرج محمد سامي الذي أعلن اعتزاله مؤخرا، بطولة زوجته الفنانة مي عمر، ماجد المصري، هالة صدقي، و(سِيد الناس) لنفس المخرج، بطولة عمرو سعد، إلهام شاهين، إنجي المقدم،

و( العتاولة) للمخرج أحمد خالد موسى، بطولة أحمد السقا، باسم سمرة، مي كسّاب .

هذه الأعمال الدرامية "التافهة" أثارت جدلا واسعا في الشارع المصري، ويجب أن يعلم جميع من يعمل في مجال الفن، الذي يُعد قوة مصر الناعمة ووجهها الحضاري والذي نباهي به الأمم، أن مصر الرائدة في كافة المجالات، قولا وفعلا، وما الفن إلا واحدا منها ..أنه في حقبة زمنية مضت من تاريخ مصر المعاصر كان يوجد لدينا فنا راقيا يُعالج مشاكل وقضايا وظواهر سلبية دخيلة على مجتمعنا، بل وبعضها يبرز الدور الوطني الكبير للمصريين في كيفية المحافظة على وطنهم "المحروسة" مصر من شرور الأعداء والمتربصين بها، وبمجرد عرضها على شاشة التلفاز كان يلتف حولها المصريين، حيث لم يكن يبحث المشاركين فيها أو حتى منتجيها عن المادة بقدر ما كانوا يتطلعون لنجاحها وتحقيق الهدف منها، من خلال طرح المشكلة وعلاجها، وقد حققت هذه الأعمال نجاحا منقطع النظير، بل ونالت استحسان الجميع، كما حصدت الكثير من الجوائز، ويعد من أبرز هذه الأعمال الناجحة،(رأفت الهجان) للمخرج يحيى العلمي، بطولة الفنانين الكبيرين الراحلين، محمود عبد العزيز، ويوسف شعبان، و(ضمير أبلة حكمت) للمخرجة إنعام محمد علي، بطولة سيدة الشاشة العربية الفنانة الراحلة فاتن حمامة، و(لن أعيش في جلباب أبي) للمخرج أحمد توفيق، بطولة الفنان الكبير الراحل نور الشريف، والفنانة الكبيرة عبلة كامل، و(ليالي الحلمية) للمخرج إسماعيل عبد الحافظ، بطولة الفنان الكبير الراحل صلاح السعدني، يحيى الفخراني، صفية العمري، و(الأيام) للمخرج يحيى العلمي، بطولة، الفنان الكبيرالراحل أحمد زكي، أمينة رزق، يحيى شاهين، و(دموع في عيون وقحة) لنفس المخرج، بطولة الفنان الكبيرعادل إمام، الفنانة الكبيرة الراحلة معالي زايد، و(المال والبنون) للمخرج مجدي أبو عميرة، بطولة الفنان الكبير أحمد عبد العزيز، الفنان الكبير الراحل حمدي غيث، و(العصيان) للمخرج أحمد السبعاوي، بطولة الفنان الكبير الراحل محمود ياسين، و(الاختيار) بأجزائه الثلاثة للمخرج بيتر ميمي، بطولة أمير كرارة، ياسر جلال، و(هجمة مرتدة) للمخرج أحمد علاء الديب، بطولة أحمد عز، هند صبري .

ما شاهدته وشاهده الملايين مثلي على الشاشة الصغيرة دفع النائب أحمد عبد السلام قورة، عضو لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب لتقديم طلب إحاطة عاجل إلى المستشار حنفي جبالي رئيس المجلس، موجها إلى د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وخمس وزراء آخرين بشأن ما وصفه بالإنفلات الرقابي على مسلسلات رمضان التي تعج بالمخالفات الأخلاقية وتروج للبلطجة والدعارة وتعاطي المخدرات والاتجار فيها والقتل والخطف، إلى تقديم موجة اتهامات بتعمد صناعه "هدم قيم المجتمع"، بما يحتويه من ألفاظ خارجة ومصطلحات غريبة، علاوة على أنه لا يعرض الصورة الواقعية للحارة الشعبية المصرية.

قال"قورة"، هل عجزت الوزارات المعنية عن التصدي لهذا الإسفاف الذي يُبث على شاشات التلفزيون، وعدم القدرة على مواجهة مراكز القوى من صنّاع الدراما التلفزيونية، أو ربما لم تعد الأوضاع الاقتصادية تسمح لهم بامتلاك تلفزيون صغير"14" بوصة أبيض وأسود كى يشاهدوا تلك الجرعات غير الأخلاقية، رغم أن ما يُعرض على الشاشات يتنافى مع جهود الدولة لبناء الإنسان المصري وترسيخ قيم الهوية الوطنية التى ينشدها الرئيس عبد الفتاح السيسى .

وتساءل، أين كان هولاء المسؤولين عن الدراما فى مصر من مسلسل "إش إش" الذى يستعرض عوالم الرقص الشرقي والأجواء الشعبية المرتبطة به، وما يُحيط بهذا العالم من كواليس وقصص وحكايات تنتقل من الخيال إلى الشاشة بسبب الصورة السلبية والمُهينة التي يقدمها عن المرأة واشتعال منصات التواصل الاجتماعي بالنقاشات الحادة، وسط مطالبات بمراجعة المحتوى الدرامي الذي يرسخ أفكارًا نمطية تقلل من شأن المرأة، حيث رأى كثيرون أن العمل يعزز الاستغلال والإهانة بحق المرأة، ويصورها في أدوار مهمشة أو خاضعة أو مبتذلة .

أخيرا..وجهة نظري الشخصية أنه قد حان وقت التطهير بالعودة للأعمال الجيدة ولفظ من يسيئون إلى مصر والمصريين، وخصوصا التي تُنّمي داخل الأجيال الجديدة حب الوطن وكيفية المحافظة عليه وغيرها من القيم الحميدة التي ننشدها جميعا، وفي هذا الإطار لقد سعدت جدا بإعلان المخرج خالد يوسف اعتزاله واللحاق بصديقه محمد سامي، لعلنا بعد اعتزالهما نرى فنا راقيا ونظيفا مستقبلا يعيد الأسرة المصرية للالتفاف حول الشاشة الصغيرة والاستمتاع بما يُقدم من أعمال فنية هادفة .