الإثنين 16 ديسمبر 2024 07:56 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الدكتور أيمن سلامة : التداعيات الأمنية والسياسية لحل المليشيات في سوريا

النهار نيوز

تعهد القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، بحل جميع الفصائل المسلحة في المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وإعادة السلاح ليكون حصريًا بأيدي الدولة. هذه الخطوة، إذا تم تنفيذها، قد تمثل تحوّلًا جذريًا في مسار النزاع السوري وتترك تداعيات واسعة النطاق على المستويين المحلي والإقليمي. يستلزم هذا التعهد تحليلًا معمقًا من جوانب أمنية وسياسية وقانونية، بالإضافة إلى دراسة تجارب الأمم المتحدة في إدماج الميليشيات بعد النزاعات المسلحة.

التداعيات الأمنية

على المستوى الأمني، حل الفصائل المسلحة يعني تقليص مخاطر النزاعات المسلحة الداخلية بين الجماعات المسلحة المختلفة، وهو ما يُعتبر شرطًا أساسيًا لاستقرار الوضع الأمني. تركز المخاطر الأمنية في السياق السوري على إمكانية مقاومة بعض الفصائل لهذه الخطوة، مما قد يؤدي إلى مواجهات عنيفة تعرقل تحقيق الأمن. علاوة على ذلك، إذا لم تُنفذ عملية نزع السلاح بشكل شامل ومدروس، فقد يؤدي ذلك إلى بروز شبكات إجرامية تعمل في تجارة السلاح أو تحول بعض الفصائل إلى جماعات إرهابية أو شبه عسكرية خارجة عن السيطرة.

على الصعيد الإقليمي، قد يُسهم حل الفصائل المسلحة في تقليل التدخلات الأجنبية التي غالبًا ما تستغل وجود جماعات مسلحة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تعاونًا دوليًا لضمان عدم تسرب السلاح أو المقاتلين إلى دول الجوار مثل العراق ولبنان وتركيا، حيث يمكن أن تتسبب هذه التحركات في زعزعة استقرار المنطقة.

التداعيات السياسية

سياسيًا، يمثل التعهد فرصة لإعادة بناء الدولة السورية كمؤسسة موحدة قادرة على فرض سيادتها على كامل أراضيها. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى استعداد الأطراف الفاعلة للقبول بحل شامل ومتكامل يتضمن تحقيق العدالة الانتقالية وتوزيع السلطة بشكل يضمن تمثيل جميع مكونات الشعب السوري.

قد يؤدي هذا التعهد أيضًا إلى تقوية موقع الحكومة السورية في أي مفاوضات دولية قادمة. فحل الفصائل المسلحة يعكس التزامًا بإعادة بناء الدولة، مما قد يُكسب سوريا دعمًا سياسيًا واقتصاديًا من المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يعتمد على مدى مصداقية هذه التعهدات وآليات تنفيذها.

التداعيات القانونية

من الناحية القانونية، يرتبط حل الفصائل المسلحة بتطبيق المعايير الدولية المتعلقة بنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR). ويتطلب هذا الأمر ضمانات قانونية لحماية حقوق الأفراد الذين كانوا جزءًا من هذه الفصائل، بالإضافة إلى وضع إطار قانوني يمنع إعادة تشكيل هذه الجماعات أو إنشاء جماعات جديدة في المستقبل.

يتطلب نجاح هذه الخطوة تنسيقًا مع المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، التي تمتلك خبرات واسعة في إدارة مثل هذه العمليات. في كوسوفو وسيراليون وليبيريا، لعبت الأمم المتحدة دورًا محوريًا في نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم في المجتمع، إلا أن نجاح هذه التجارب كان متفاوتًا بسبب التحديات التي شملت الفساد، وضعف الإرادة السياسية، ونقص الموارد.

التجارب الناجحة والفاشلة

يمكن استلهام العبر من التجارب الدولية في حل وإدماج الميليشيات. في كولومبيا، مثلًا، نجحت الحكومة في التفاوض مع جماعة القوات المسلحة الثورية (فارك)، حيث تم نزع السلاح وإعادة إدماج المقاتلين في المجتمع. ومع ذلك، استغرق الأمر سنوات من المفاوضات والالتزام بتنفيذ برامج تنموية ومصالحات اجتماعية.

في المقابل، هناك تجارب فاشلة مثل ليبيا، حيث لم تنجح الجهود الدولية في نزع سلاح الميليشيات وإدماجها. أدى غياب الإرادة السياسية وتعدد الأطراف المتصارعة إلى زيادة تعقيد الوضع الأمني والسياسي، مما أسفر عن دولة فاشلة وغارقة في النزاعات المسلحة المستمرة.

خبرات الأمم المتحدة في حل وإدماج الميليشيات

تتمتع الأمم المتحدة بخبرات طويلة في التعامل مع النزاعات المسلحة وحل الميليشيات. تشمل هذه العمليات عادةً ثلاث مراحل رئيسية:

  1. نزع السلاح: جمع الأسلحة من الأفراد والجماعات، والتأكد من عدم استخدامها مجددًا.
  2. التسريح: إنهاء الهيكل التنظيمي للفصائل المسلحة وإعادتهم إلى الحياة المدنية.
  3. إعادة الإدماج: توفير برامج تدريبية، تعليمية، واقتصادية للمقاتلين السابقين بهدف إدماجهم في المجتمع.

تشير خبرات الأمم المتحدة إلى أن النجاح يعتمد على توافر الموارد المالية والبشرية، والتزام الحكومة المحلية بتنفيذ الخطط، بالإضافة إلى ضمان وجود آليات رقابة ومساءلة لمنع العودة إلى النزاع.

خاتمة

إن تعهد "الجولاني" بحل الفصائل المسلحة يمثل فرصة تاريخية لتحقيق الاستقرار في سوريا والإقليم، لكنه محفوف بالتحديات. يتطلب تحقيق هذا الهدف إرادة سياسية صادقة، وإطارًا قانونيًا شاملًا، ودعمًا دوليًا فعّالًا. كما يجب أن تُصمم برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج بعناية لتجنب الوقوع في الفخاخ التي واجهتها دول أخرى. في النهاية، نجاح هذه الخطوة قد يُعيد للسوريين الأمل في بناء دولتهم على أسس الأمن والسلام والتنمية المستدامة.