أيمن سلامة : الهجوم المباغت على حلب ... تداعيات استراتيجية وأمنية و إقليمية
النهار نيوزيثير الهجوم المفاجئ على حلب من قبل الفصائل المسلحة المتمردة في الآونة الأخيرة العديد من التساؤلات حول توقيته وأبعاده. هذا الهجوم يأتي بعد سنوات من الهدوء النسبي في المدينة، في ظل مبادرة خفض التصعيد التي تم التوصل إليها بين الأطراف المتحاربة، و يتمثل أحد أبرز أسئلة هذا الهجوم في سبب توقيته المفاجئ بعد هذه الفترة الطويلة من الهدوء، إضافة إلى مواقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في هذا السياق.
يأتي الهجوم المباغت للفصائل السورية المسلحة في وقت حساس بالنسبة للنظام السوري وحلفائه، فقد قامت قوات الحكومة السورية، بمساعدة حلفائها الإيرانيين والروس، بمحاصرة حلب من جميع الجهات في محاولة للسيطرة الكاملة على المدينة. يبدو أن الفصائل المتمردة قد استفادت من الوضع الحالي لشن هجوم مفاجئ على صفوف الجيش السوري، مستغلةً الثغرات التي ظهرت بعد سنوات من الهدوء النسبي، وهو ما يعكس أن الوضع العسكري في سوريا ما زال غير مستقر، وأن الهدوء الذي شهدته حلب كان مجرد فترة مؤقتة.
من جهة أخرى، يُحاكى هذا الهجوم الذي شنته داعش على مدينة الموصل في العراق، حيث نجحت في اختراق صفوف الجيش العراقي والسيطرة على المدينة لفترة طويلة، حيث يعزز هذا التشابه في التكتيك العسكري فكرة أن الفصائل المسلحة في حلب تحاول استخدام نفس أسلوب الهجوم المفاجئ لتحقيق اختراق عسكري كبير في المناطق الاستراتيجية.
على الجانب السياسي، كانت زيارة بشار الأسد الأخيرة إلى موسكو تشكل جزءاً من الجهود السورية للحصول على دعم سياسي وعسكري إضافي من روسيا وإيران .هذه الزيارة كانت تهدف إلى تعزيز التنسيق بين النظام السوري وحلفائه، وتقديم ضمانات لاستمرار الدعم العسكري الروسي والإيراني. ولكن الهجوم الأخير في حلب يبرز نقطة ضعف في الدفاعات السورية، وقد يكون له تأثير سلبي على الموقف الاستراتيجي للنظام السوري، خاصة إذا استمرت هذه الهجمات في التصاعد.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن أي هجوم يضعف الميليشيات الإيرانية في سوريا، بما في ذلك في حلب، يعتبر مكسباً استراتيجياً بالنسبة لها. إسرائيل تعتبر أن وجود القوات الإيرانية في سوريا يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي، حيث يمكن أن يتم استخدام هذه القوات كقاعدة للهجمات ضد إسرائيل في المستقبل. ولذلك، فإن الخسائر الإيرانية في حلب، وخاصة في صفوف الميليشيات المدعومة من إيران، قد تكون بمثابة "ميزة عسكرية" لإسرائيل. يضاف إلى ذلك أن الهجوم على حلب قد يعرقل أي محاولات لتوطيد الوجود الإيراني في المنطقة، وهو ما يعكس حرص إسرائيل المستمر على تقليص نفوذ طهران في سوريا.
أما عن دور تركيا في هذا الهجوم، فيظل معقداً، تركيا كانت قد دعمت في السابق فصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا، وقد تكون قد قدمت دعماً غير مباشر للهجوم على حلب، خصوصاً في سياق التوترات المستمرة بين تركيا والنظام السوري. تركيا تسعى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة، وخاصة في شمال سوريا، ولذلك قد تكون قد رأت في الهجوم فرصة لتقويض سيطرة النظام السوري في حلب. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت تركيا قد دعمت الهجوم بشكل مباشر، إذ أن مواقفها العسكرية في سوريا تتسم بالحذر في بعض الأحيان.
الهجوم على حلب له تداعيات عسكرية وسياسية كبيرة على جميع الأطراف المعنية. من الناحية العسكرية، فإن الهجوم يشير إلى أن الفصائل المسلحة لم تفقد قدرتها على شن الهجمات المفاجئة، حتى بعد سنوات من الهدوء. كما أن هذا الهجوم قد يضعف من قدرة النظام السوري وحلفائه على السيطرة الكاملة على المدينة ويزيد من تعقيد الوضع العسكري في سوريا. من الناحية السياسية، فإن هذا الهجوم يهدد بتقويض جهود بشار الأسد وحلفائه في تعزيز سلطتهم في سوريا، وخاصة في ظل الاستمرار في العلاقة الوثيقة مع روسيا وإيران.
في الختام، يمكن القول إن الهجوم الأخير على حلب يعكس التغيرات المستمرة في التوازن العسكري والسياسي في سوريا ،ومع استمرار الصراع، ستظل مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تؤثر بشكل كبير على مستقبل المدينة والمنطقة ككل.
كاتب المقالة: ضابط الإتصال السابق في حلف الناتو في البلقان