الجمعة 22 نوفمبر 2024 11:59 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة :المحكمة الجنائية الدولية....... نيتينياهو ..... العدالة تنتصر

النهار نيوز

في خطوة ذات دلالة تاريخية وعميقة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف جالانت، وزير الدفاع، على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. جاءت هذه الخطوة بعد تأخرٍ ملحوظ أثار تساؤلات عديدة حول مدى قدرة المحكمة على تجاوز الضغوط السياسية والترهيب الممنهج الذي تعرضت له من قبل قوى دولية كبرى. ومع ذلك، فإن إصدار هذه المذكرات يحمل في طياته رسالة واضحة بأن العدالة لا تعرف التردد، وأن استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ركن أساسي في تحقيق الإنصاف ومحاسبة الجناة، بغض النظر عن مناصبهم أو جنسياتهم.

عقبات قانونية وسياسية أمام العدالة

إن تأخر المحكمة في إصدار المذكرات كان نتيجة لعوامل عديدة، أبرزها وجود أكثر من 60 دولة عضوًا في المحكمة قدمت مذكرات اعتراض منذ يوليو الماضي، تعترض فيها على اختصاص المحكمة في ملاحقة المواطنين الإسرائيليين. هذه الدول، التي تضمنت دولاً ذات نفوذ عالمي، استندت في اعتراضاتها إلى اعتبارات سياسية وقانونية تهدف إلى تقويض عمل المحكمة وإبقاء المواطنين الإسرائيليين بمنأى عن المحاسبة. بموجب نظام روما الأساسي، كان لزامًا على المحكمة أن تنظر في هذه الاعتراضات وتفصل في قانونيتها، مما تطلب وقتًا لتحليل الأدلة والوثائق والردود المقدمة.

إلى جانب ذلك، واجهت المحكمة حملات ترهيب غير مسبوقة، تضمنت تهديدات متكررة بقطع التمويل وسحب عضوية بعض الدول الكبرى، إلى جانب محاولات تشويه صورتها على الصعيدين الدولي والإعلامي. ورغم ذلك، أثبتت المحكمة أنها ليست أداة تخضع للضغوط أو المصالح، بل كيان قضائي مستقل يسعى لتحقيق العدالة الدولية دون تحيز.

تأكيد على استقلالية المحكمة وحياديتها

إصدار مذكرتي الاعتقال في هذا التوقيت الحساس يؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية لا تنحاز إلا للعدالة، ولا ترضخ لأي تهديدات أو إملاءات سياسية. إن اتخاذ المحكمة هذا القرار الشجاع يمثل انتصارًا لقيم القانون الدولي، ويبعث برسالة قوية مفادها أن الجناة، مهما علا شأنهم، لن يفلتوا من يد العدالة.

لقد تعرضت المحكمة لمحاولات متكررة لعرقلة تحقيقاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء من خلال سحب الدعم السياسي أو محاولة التشكيك في ولايتها. ومع ذلك، أثبتت المحكمة أنها قادرة على تحمل الضغوط، وأن صوت الضحايا لا يمكن أن يُطمس، حتى في ظل أكثر الظروف تعقيدًا.

انتصار للضحايا وإعلاء لكرامة الإنسان

إصدار مذكرتي الاعتقال يمثل خطوة هامة نحو تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية. أولئك الذين عانوا لعقود من الاحتلال والعدوان العسكري يجدون اليوم بصيص أمل في محاسبة المسؤولين عن معاناتهم. ليس الفلسطينيون وحدهم من يشعرون بالإنصاف في هذا اليوم، بل كل الضحايا في المعمورة الذين طال انتظارهم لتحقيق العدالة في قضايا مشابهة.

إن هذا القرار يُظهر أن القانون الدولي يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق العدالة، شرط أن يتمسك القائمون عليه بالمبادئ القانونية بعيدًا عن المصالح السياسية. كما يذكرنا بأن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة قد تتأخر، لكنها ستتحقق في النهاية.

مستقبل المحكمة الجنائية الدولية في ظل هذه التطورات

لا شك أن هذه الخطوة ستفتح فصلًا جديدًا في علاقة المحكمة الجنائية الدولية بالدول الأعضاء والمجتمع الدولي عمومًا. فهي رسالة واضحة لكل من يعتقد أنه بمنأى عن المحاسبة أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى. ومع ذلك، فإن الطريق أمام المحكمة ليس مفروشًا بالورود، حيث ستواجه مزيدًا من التحديات، خاصة من الدول التي ترى في هذه الخطوة تهديدًا لنفوذها.

على المحكمة أن تستمر في أداء دورها بشجاعة ومهنية، وأن تعمل على تعزيز آلياتها القانونية والإجرائية لضمان تنفيذ قراراتها وتحقيق العدالة المنشودة. كما يتعين على المجتمع الدولي أن يدعم المحكمة في مواجهة التهديدات التي قد تضعف استقلاليتها، وأن يضمن توفير الموارد اللازمة لها لمواصلة عملها بكفاءة.

كلمة أخيرة: العدالة تنتصر

إصدار مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت هو تذكير بأن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تُهزم. إنه انتصار للقانون الدولي، وللضحايا الذين انتظروا طويلاً سماع صوت العدالة. كما أنه تأكيد على أن المحكمة الجنائية الدولية، رغم كل التحديات، قادرة على مواجهة الترهيب وإعلاء قيمة القانون فوق المصالح السياسية.

فلينعم الضحايا الفلسطينيون وكل ضحايا الظلم في العالم بفرحة هذا اليوم التاريخي، وليبقى صوت العدالة عاليًا فوق كل الاعتبارات. إن هذا القرار ليس فقط خطوة نحو محاسبة الجناة، بل هو أيضًا أملٌ في مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية.