منال رضوان تكتب: نبضة عطر!
النهار نيوزفبدا لي كأنه سيدُ التفاصيلِ الغارقة، وأثناءَ هلاوسٍ تداهمني كلَّ حين، تبينته يجلس هادئًا، يربت على كتفي، يزيل برفق ما علق بشفتين تزبدان، يتذكر مذاق قهوتي، يستشعر نبضات عطري، ووسط ضجيج أيامه يلتقط صوري الصامتة؛ فقط ليقول إنه يراني بوضوحٍ غاب عن عيني كثيرًا!
تذكرت يوم أن تدافعت ساعات الانشغال أمامه، وفجأة إذا به يرفع رأسه من وراء كومة أوراقه ويسألني:
-ما اسم عطركِ الذي وضعتيه ليلتها؟ ..أكان من الورد أو الفانيلا؟
سؤالٌ لم يشبه الوردَ أو الفانيلا؛ فلا عطر يمكنه النفاذ إلى تلك الروح، ولا عطر من الأزهار يمكنه أن يتبتل إلا عن رضابه في ليلة حالمة!
فتشتُ كثيرًا حتى عثرت على زجاجة العطر الذي كنت أضعه حينها، كأنني كنت أبحث عن ظل ذكرى تجابه النسيان، لا عن مجرد عبق، بدا لي عطري عنيد الزوال شديد الاختلاف تلك الليلة كأنما قد فقد وهجه، وامتزج بأطياف ذاكرةٍ منسيةٍ تحاكي عبق أرغفة الخبز الطازجٍ التي تعانق أحلام الصغار، وتعدهم بدفء لا تطفئه السنوات.
وضحكتُ كطفلةٍ.. لم تطأها يقظة الزمن، وددت التعلق في عينيه كأنه أشهى أسراري، أحببته؛ ربما لأنه كان يجيد توثيق تلك التفاصيل البسيطة، لأنه يرى فيّ أكثر من مجرد حضور عابر، تمنيتُ أن أكون جزءًا من عالمه، عالم ألونه بصمتي الهادئ، وضجيجي الطفولي.
وفي لحظةٍ واجفة، إذا بي ألتفت إلى يساري لأتابع نظراته لأخرى وأختلس السمع إلى همهمة سؤاله:
-ترى أكان عطرك تلك الليلة يحمل عبق الورد أم الفانيلا؟
لتبتسم المرأة مطمئنة وتعبر بيننا قبل أن تنفس بضع قطرات من عطرها في الهواء!
في لحظات أريقت حكايتي كقنينة من عطر ردىء، وتلاشت كبخارٍ عالق في الذاكرة لحكاية ساذجة.
وضحكت كامرأة.. قبل أن أعلق بصوتٍ يقطر مرارة:
وكم كنت أنا سيدة الخيبات الكثيرة!
#منال_رضوان
#نبضة_عطر
٤ من نوڤمبر ٢٠٢٤