الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 06:24 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د. محمود أبوعميرة يكتب انقياء لا اثرياء: رسالتنا في الحياة

النهار نيوز

يمر بنا الزمان بين الحين والآخر ليحلق في حياتنا قدرا جميلا ونلتقي بأناس يصبحون يوما ما أغلى ما في قلوبنا فنسأل انفسنا هل نحن نعرفهم أم اننا ولدنا عندما عرفناهم، فعندما نلتقي بهم نشعر بسر جاذبيتهم وسحر وجودهم فنسأل انفسنا ايضا عن روعة القرب منهم فندرك حينها أنهم عندما يتحدثون الينا يتحدثون بارواحهم لا بكلماتهم لذا فقد امتلكوا افئدتنا برقة مشاعرهم وصفاء قلوبهم وجمال ارواحهم التي لا مثيل لها والتي تشبه السحاب فسكونهم ظل وكلماتهم كقطرات الندى، وعندها ندرك ايضا المعنى الحقيقي لدفئ الارواح وانسجامها الذي يجعلنا نشر بأجمل ما في الحياة وهو صفاء القلوب ودفئ الروح.

وفي زمن الانشغال الشديد بجمع المال وتحقيق الثراء المادي، يبدو أن مفهوم نقاء القلب قد أصبح مهمة ثانوية بالنسبة للكثيرين.

ونتسائل هل لهؤلاء الحق في السعي وراء الثروة المالية بمقتضى الوفاء بمتطلبات الحياة الدنيا؟ أم ان هناك أبعاد أخرى أكثر أهمية تستحق التركيز عليها؟ دعونا نتأمل سويًا في هذه القضية الهامة.

نعم الإنسان في زماننا الحالي قد يتعرض لضغوطات متعددة تدفعه نحو السعي وراء تحقيق الثراء المادي وتجميع الثروة، ولكن في هذا السباق المحموم ننسى أحيانًا الجانب الأكثر أهمية في رحلتنا مع الحياة؛ وهو تعميق النقاء في قلوبنا. والحقيقة هي أن الثراء الذي يجب ان نسعى لتحقيقه لا يكمن في الأموال والممتلكات فحسب، بل في نقاء القلب وصفاء الروح والإيجابية التي نملكها.

فإن كنت تبحث عن الثروة الحقيقية في حياتك، فلن ينفعك البحث في الحسابات البنكية أو الممتلكات الفاخرة، بل يجب عليك أن تتجه نحو تطوير وتعميق نقاء القلب والروح. فالأشخاص الذين يمتلكون قلوبًا نقية هم الذين يصنعون الفارق الحقيقي في هذا العالم، وهم الذين يعيشون حياة ذات معنى وقيمة حقيقية ويتذوقون سعادة لا يمكن أن يشعر بها غيرهم.

فنقاء القلب وجمال الروح سمة رفيعة تتطلب الكثير من العناية والتركيز على تنميتها داخل النفس، فالتعامل بصدق وإخلاص مع الآخرين وتقديم المساعدة دون توقع المقابل، ونشر الإيجابية والحب والتسامح في العالم من حولنا، كل هذه الأمور تعمل على زيادة نقاء القلب وتعميق وتحقيق السعادة الحقيقية.

فعلى الرغم من أن جمع المال قد يوفر لنا وسائل الراحة المادية والأمن المالي، إلا أنه لا يمكنه أن يمنحنا السعادة الحقيقية والرضا الداخلي. فالأشخاص الذين يعيشون حياة مليئة بالمال قد يكونوا محاطين بالرفاهية المادية، ولكنهم قد يعانون من فقدان الروحانية والاتصال الحقيقي مع النفس ومع الآخرين.

لذا، يجب أن نتذكر دائمًا أن الغنى الحقيقي يكمن في نقاء قلوبنا وعمق تواصلنا مع العالم من حولنا. وعلى ذلك يجب علينا أن نسعى لتحقيق التوازن بين جمع الثروة المادية وتنمية الثروة الروحية، حتى نعيش حياة متوازنة ومليئة بالسعادة والرضا.

فلنكن دائمًا من الأنقياء الذين يبذلون جهودهم لترسيخ الخير والجمال في هذه الحياة، ولنتذكر أن السعادة الحقيقية فيها لا تكمن في منصب أو ثروة مادية، بل في نقاء القلب وسمو الروح و ما تمتلكه النفس من معاني في الحب والوفاء.

ان الوعي بأهمية النقاء في القلب يظل محورًا أساسيًا في فهم معنى الحياة وغايتها الحقيقية والفهم الدقيق لفلسفتها الصحيحة، فرسالتنا في هذه الحياة ليست فقط جمع المال والثروة الدنيوية، وانما تكمن في نقاء القلب وجمال الروح.

وحول الفصل في هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل يقول الله سبحانه وتعالى: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء: 88-89). وفي هذه الآية الكريمة، نجد أن ما ينفع الانسان يوم القيامة هو فقط نقاء القلب وليس كثرة المال والأولاد.

وفيها ايضا رسالة قوية من الله خالق الحياة الدنيا وجامعنا ليوم الحساب بأن الرسالة الحقيقية لنا في الحياة هي نقاء القلوب وليس ما دون ذلك.

ويتحدث القرآن الكريم في موضع آخر عن أهمية النقاء في القلوب بشكل متكرر، ويربطه بالتقوى والقرب من الله سبحانه وتعالى ففي سورة الشمس يقول الله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" (الشمس: 9-10). وهنا تؤكد الآية على أن النجاح الحقيقي والفوز في الاخرة يكمن في طهارة النفس وتحقيق النقاء الداخلي.

وفي سورة البقرة، يقول الله تعالى: "أَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [البقرة: 254.

وفي سورة النحل يقول الله تعالى:"وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ" (النحل: ٦٦) وهنا تسلط الآيات الكريمة الضوء على أهمية أن نكون أنقياء القلب وأن نضع النية الصافية والإخلاص فيما نقوم به، بدلاً من التمسك الزائد بجمع المال والثروة المادية.

وتُشجع الايات الكريمة على الإنفاق من الأموال التي رزقنا الله إياها في سبيل الخير والصدقة بدلاً من البخل والتمسك الزائد بجمع المال والثروة المادية، وتذكرنا كذلك بأنه سوف يأتي يوم لا تنفع فيه الثروة المالية، وان الأعمال الصالحة وسلامة القلب هي فقط التي ستكون لها الحجة القوية يوم القيامة. وفي الحديث الشريف تبرز أهمية نقاء القلب فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (متفق عليه). وهنا يؤكد التوجيه النبوي على أهمية القلب في توجيه حياة الإنسان وسلوكه، حيث يجب أن يكون هو المحرك الرئيسي لجميع الأعمال والأفعال.

وعن أهمية نقاء القلب وتأثيره العميق على حياة البشر عن أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وهذا الحديث يؤكد على أن الله يقدر الإنسان بنقاء قلبه وصفاءه، وليس بمظهره الخارجي أو ثروته المادية.

ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ايضا: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (رواه الترمذي)

فإذا كان جمع المال والازدهار في الحياة الدنيا مهم، فيجب الا ننسى أن الحياة الدنيا مجرد مرحلة مؤقتة، وأن الآخرة هي المقصد الأسمى. وان كان ولا بد فيجب علينا أن نسعى لتحقيق التوازن بين الجانبين، وذلك بأن نجمع المال ونسعى للنجاح المادي وفي الوقت نفسه نحافظ على نقاء القلب في التعامل مع البشر ونفع الاخرين والاحسان لهم وعدم الاساءة اليهم وبذلك تتحقق المعادلة الصعبة وتصل بالانسان إلى مرحلة التقوى والقرب الحقيقي من الله. واذا كان نقاء القلب هو ما يجعلنا أقرب إلى الله وأكثر سعادة في الدنيا والآخرة فلنسعَ إلى تحقيق هذا الهدف النبيل ولنجعله محور لكل حياتنا ونبراسًا يضيء دروبنا في كل لحظة وفي كل تحدي نواجهه.

إن النقاء في القلب هو مفتاح السعادة الحقيقية والسلام الداخلي، وهو ما يضفي معنى حقيقيًا على حياتنا. فلنتذكر دائمًا أن الغنى الحقيقي يكمن في قلوبنا، ولنسعى جاهدين لتحقيق النقاء والطهارة في أفعالنا وأقوالنا ونياتنا، حتى ننال رضا الله والسعادة في الدنيا والآخرة.

ومن كلام الحكماء والأدباء حول أهمية نقاء القلب وعدم التمسك الزائد بجمع المال نجد ايضا حكمة بالغة لا بد أن ندقق فيها إلى حد بعيد لان ذلك يمنحنا الفهم الصحيح لما يجب أن تكون عليه حياتنا، يقول الحكيم الإغريقي أفلاطون: "ان الثروة الحقيقية تكمن في نقاء القلب لانه كنز من يملكه فقد نال كل شيء.

والشاعر الفارسي عمر الخيام يقول: "ما أحوج الإنسان إلى قناعته وراحته النفسية، فإذا كان قلبه نقياً، فإنه يكتفي بالقليل من المال.

أما الفيلسوف الصيني الكبير لاو تزو فيقول: " ان الثروة والشهرة كالشيء العابر، أما نقاء القلب فهو ما يدوم إلى الأبد.

أما الكاتب والمفكر الفرنسي فيكتور هوجو فيقول: "القلوب النقية هي الحدائق الوحيدة التي لا يمكن أن تغلق أبوابها أمام البشر فتمنحهم أجمل ما في الحياة وهي السعادة.

والشاعر الأمريكي رالف والدو إمرسون يقول: "النقاء هو العنصر الذي يكمل الجمال، فمن لا يمتلك قلباً نقياً فإن جماله لن يدوم طويلاً.

ويقول سقراط: "الثروة المادية تأتي وتذهب، لكن النقاء الروحي هو ما يدوم إلى الأبد ويحقق السعادة الدائمة.

ويقول ايضا: "أغنى الناس من لا يملك الكثير من المال، ولكنه يملك قلبًا نقيًا وروحًا سليمة ورائعة.

وعندما سُئل عن سر سعادته رغم فقره، قال: "إن سعادتي تكمن في عدم الاعتماد الزائد على المال والثروة، بل في قناعتي ونقائي الداخلي.

ويقول جبران خليل جبران: " ان نقاء القلب يجعل صاحبه أغنى الناس، فالثروة المادية تتلاشى ولكن النقاء يبقى الى الابد.

ويقول فولتير: " ان القلب النقي هو الكنز الحقيقي الذي لا يفنى، أما المال فيذهب ويأتي.

ويقول ايضا:" ان الثروة المادية قد تجلب لنا راحة مؤقتة، لكن النقاء الداخلي والرضا بالقليل هو ما يجلب السعادة الحقيقية والدائمة.

ويقول جون روسكين: "إن أغنى الناس هم الذين يمتلكون أرواحًا نقية وقلوبًا رائعة، فالثروة المادية ليست سوى غنى مؤقت أما نقاء القلب وجمال الروح فهو السعادة والغنى الذي يبقى ما بقي صاحبه.

ويقول أرسطو: "لا تكن عبدًا للمال، بل اجعل المال عبدًا لك وابحث عن النقاء الروحي والسلام الداخلي.

ويقول ايضا: " ان السعادة لا تكمن في كثرة الثروة، بل في سلامة الضمير ونقاء القلب.

وهذه المواقف والأقوال من كلام الحكماء والفلاسفة تعكس الحقيقة العميقة التي تؤكد على أن السعادة والثروة الحقيقية تأتي من النقاء الروحي والقلبي، وليست فقط من التمسك بجمع المال والثروات المادية.

كما تعكس فلسفة عميقة حول أهمية النقاء الداخلي وقيمته في حياة الإنسان، فكل الفلاسفة يعتبرون ان الثروة الحقيقية في النقاء الروحي والقلبي الذي يتمتع به الإنسان وليست في التراكم المادي.

وتعبر كلماتهم عن قيمة النقاء الداخلي وأهميته في حياة البشر وتذكرنا بأن السعادة والثروة الحقيقية تأتي من القلب النقي وليس من تراكم الثروات المادية.

وليعلم كل منا أن نقاء القلب يمنح صاحبه صفاء الفكر وجمال الروح واخلاق لا مثيل لها، يقول الامام الشافعي عليه رحمة الله: اذا المرءُ لا يرعاك إلا تكلفاً، فدعه ولا تكثر عليه التأسفا، ففي الناس أبدان، وفي الترك راحة، وفي القلب صبر للحبيب، ولو جفى، وما كل من تهواه يهواك قلبه، وما كل من صافيته لك قد صفا.

احبتي يا كل من يقرا كلماتي حذوا هذه النصيحة عني واجعلوها منهج حياة' لا تنتظر العطاء حين تكون بخيلا ولا تنتظر الرحمة والود حين تكون قاسي القلب ولا تنتظر الصدق حين تفتقد اليه ولا تنتظر عطاء وانت لا تشكل احدى صوره، فمن يزرع حبا يحصد حبا ومن يزرع كراهية يحصد كراهية ومن يزرع خيرا يحصد خيرا ومن يزرع شرا لا يحصد الا الشر، ومن يعمل مثقال زرة خيرا يره ومن يعمل مثقال زرة شرا يره، فصاحب العطاء والنقاء الحقيقي كزجاجة العطر تقدم للآخرين كل ما بداخلها فإن فرغت تبقى رائحتها طيبة والقلوب النقية لا يتوقف نبضها عن العطاء مهما حاول البعض كسرها.

تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال ورزقنا نقاء القلب وطهارة النفس وجمال الروح.. وكل عام وانتم بخير والى الله اقرب.

الأنقياء والثراء