الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب : أفراح قنا ...مابين بجاحة ”الزفري” ووقار”الشبيني”
كتب -مصطفى جمعةالنهار نيوز(.يقال ان الاقدار عندما ترضى على انسان تجعله يعيش اوقات مثيرة ، وانا لم اعيش اوقات مثيرة فقط بل ممتعة، احيانا كنت فيها شاهد على العصر ، وقي الغالب كنت مشارك كتلميذ لعمالقة الموسيقى والغناء من جيل العباقرة المبدعين ، حيث كنت محظوظ جدا بين اخوين كلاهما مبدع .
(. الاول أخي الاعظم المرحوم عبده اسماعيل احسن الله له واسكنه فسيح جناته حيث كان موسوعة موسيقية في العزف على كل الالات الموسيقية بما فيها الربابة ، وملحن لا يشق له غبار لايقل اهمية في زمنه عن بليغ حمدي.
(. والثاني أخي الأروع المرحوم قباري علي مصطفى رحمه الله وادخله الجنة من اوسع ابوابها، الذي كان اعظم من عزف على الكمان في الصعيد وواحد من سادتها على مستوى مصر ، (. عبده كان يعلمني العزف على الكمان ليلا ، وقباري بحكم انه كان استاذي للموسيقى في مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض الثانوية العسكرية ، كان يثبت ما حفظته بين الحصص .
وكثيرا ما كنت اهرب اليه في غرفة الموسيقى عندما اشعر ان نغمة ما من الانغام التي تعلمتها تكاد تهرب من ذاكرتي ومن بين اصابعي.
(. بالطبع لم اصل الي مرحلة العازف الكامل او حتى الممارس الذي يعتمد عليه ، ولكن كنت في كل الاحوال مكمل للعدد لاظهار هيبة الفرقة الموسيقية مما يساهم في رفع قيمتها المادية والاجتماعية،وكنت كثيرا ما احاول ان اقوم بالعزف بجرأة لمجاراة العازفين،لكن خوفا من ان "انشز" كانت تحدث مواقف طريفة ولذيذة وممتعة في الافراح تقع بيني وبين اخي الحبيب المرحوم ابراهيم عمران جعل الله الجنة مثواه استاذ الموسيقى واخر العنقود في ساسال الذهب في عصر العمالقة.
(. وغناء الافراح حدوتة تاريخية في قنا هذا البلد المتفرد في مصرنا ، والذي من الله عليها وعلى شعبها بميزات عديدة، بحكم موقعه الجغرافي، فهي على مدى تاريخها قاسم مشترك وحيز حضاري ورابط ثقافي واقتصادي وسياسي مهم، كما إن هذا الموقع المتفرد اصبح بعد جيل العمالقة يأخذ تجلياته في إطار دوافع ومحركات التغييرات التي تواكب العصر، بالطفرات التقنية الهائلة والتي أصبحت فيه الفضاءات الكبرى وحدها هي القادرة على المواكبة والتصدي والتحدي.
(. و تفاعلت تلك العناصر وأنتجت ثقافة قنائية مميزة وتمثلت في التصالح مع المعتقدات والعادات والتقاليد المحلية، إلتي استوعبت كثيرا منها، وظلت تمارسه كجزء أصيل في النسيج الثقافي بصورة شاملة لاسيما وإن موسيقى كل شعب هي عنوانه، فقد قال الحكيم الصيني كونفشيوس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد: (إذا أردت أن تتعرف في بلد الى نوع إرادته ومبلغ حظه من المدنية فاستمع إلى موسيقاه).
(. وقنا تمثل نقطة مهمة في التلاقي بين شرق وغرب الوطن العربي ، ولم يكن ذلك التلافي صدفة، بل جاء نتاج تجارب خاضتها وعاشتها كل الأطراف صيغت نظريات ووضعت أسس عديدة تم استنباطها والتوصل إليها عبر تجارب مختلفة.
والغناء في الافراح كغيره من الفنون في قنا ارتبط تطوره بتطور نظمها الاجتماعية والتعليمية ، وتعدد وسائطها التعبيرية كالمسارح، بجانب تنوع الفنون نفسها مثل فنون الموسيقى والغناء والشعر والأدب والتمثيل والتشكيل، ذلك أن هذه الفنون تؤثر وتتأثر في صورة تبادلية مع المجتمع وحركته وتطوره، وتطور الإنسان فيه.
(. والموسيقى والغناء في قنا تشتمل على ألق وإشعاع خاص يشير إلى قوة تأثيرها المباشر وغير المباشر، فعند أداء جزئية موسيقية محددة يكون نتاجها رد فعل طبيعي يترجم في تحريك الأيدي الابتسام والراحة النفسية أو التعبير بتحريك الرأس أو الأكتاف وربما يكون رقصا متوافقا مع طبيعة نبضات الإيقاع الذي صيغت على نسقه والأفكار اللحنية، وبالتالي يكون الفرح هو الوعاء الذي تنقل عبره الموسيقى والغناء بكافة صورها وأشكالها ومضامينها، فبدون عرض لا تصل الموسيقى إلى المتلقي
(. والغناء في الافراح بقنا من الممكن تاريخيا ان ينقسم الي مرحلتين الاولى ما قبل الاستاذ محمد الشبيني والمرحة الثانية ما بعده ، قبله كان الفرح مقتصر في احيائه على بنات مازن للميسورين وافراد قبيلة "الزفري"للغلابة وكانت معظم الاغاني مكشوفة والهدف منها تعليمي في المقام الأول، حيث تعلّم البنت كيف تتعامل مع زوجها وتعلّم الرجل كيف يتعامل مع زوجته دون هدم للعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع. (. وبعض هذه الأغاني كانت تشرح في الماضي الزواج لقلة التعليم ووسائل التواصل التكنولوجية في ذلك الوقت، ومن ثم لم يكن هنالك مَن يعلم هؤلاء، ، لأن تلك المجتمعات كانت محافظة بشكل كبير ومن ثم كانت تلك الأغاني هي الوسيلة المتاحة للتعليم والإرشاد ولا يمكن الحكم على هذه الأغاني بمنظور أخلاقي بحت وإلا لجرّدناها من سياقها الاجتماعي والتاريخي الذي قيلت فيه شأنها في ذلك شأن روايات "ألف ليلة وليلة قد يرى البعض ان بعض هذه الأغاني تتعارض مع قيم وعادات المجتمع الذي قيلت فيه وهذا أمر غير صحيح، (. هذه الأغاني بمثابة تهيئة للطرفين قبل الدخول إلى هذا العالم الغامض لهما عندما تذكر الموسيقى الشعبية، فإنما يكون المقصود هو الغناء الشعبي لان الموسيقى أكثر صعوبة من الغناء، فالأغنية الشعبية القنائية كانت في هذا الوقت هي تعبير عن مشاعر وقدرات الإنسان الإبداعية، وهناك عدة تعريفات للأغنية الشعبية كما وردت في كتابات وإصدارات المختصين في مجال الأغنية الشعبية،
(. حيث كانت الألحان الشعبية وكلماتها المختلفة وما زالت مصادر غنية، أقتبس مهنا المؤلفون عناصر لحنية وإيقاعات، وأدخلت في مؤلفات أثرت وساهمت في استنباط وابتكار أساليب وطرق فنية جديدة وعديدة في التأليف والأداء والتعبير
ومابعد مرحلة الاستاذ الشبيني ، الذي كتب عنه الشاهر الكبير ابن قنا عبدالرحمن الابنودى ، صفحة فى الاهرام ، والذي عاد الي بلده كفر الزيات بعد خروجه للمعاش ، تغييرت مفاهيم كثيرة على يد تلاميذه الذين تصدوا باقدام شديد لاحياء افراح قنا ، والبسوها ثوب الوقار ، وتحولت من "خبط ورزع" الي حفلات موسيقية وغنائية راقية ، قدم فيها العزف الموسيقي الرائع ، و الأداء الغنائي الراقي، و التعبير عن الفرحة بشكل محترم .
(. وافراح قنا لها لغتها الخاصة بين اعضاء الفرقة الموسيقية ومع مطربيها ، وحتى في الاغاني التي تؤدى في حالة الانشكاح والانبساط ، او في حالة ما يعكر صفوهم ، وفي الغالب يحكم العملية بين الملقي والمتلقي "الاوبيج" و"الذهوب"و"اللحلوح" ، فاذا كان فيه اخلال في الاتفاق في بعض الاحوال تحل اغاني الحزن ومنها "ظلموه" و"فوق الشوق" و"بعد ايه " و"جبار" و"بلاش اللون ده معانا" وغيرها بدلا من اغان البهجة .
(. وافراح قنا لا تدار اعتباطا ، ولكن من خلال اعتبارات نفسية ودراسة سيكولوجية لاصحاب الفرح والمعازيم وقدراتهم المالية اوضاعها الاسرية، وفي كل الاحوال يعرف الفرح من اول "شي نقطة" ، واذا تأخرت تقوم الفرقة من خلال استغلالها لعلاقات بعض افرادها مع المعازيم ، "بتنقيط" نفسها بمبلغ يحرج اي انسان يريد ان يقوم ب"النقطة".
(من كتاب"قنا ...ثنائية الدم والحب")