الأربعاء 15 يناير 2025 02:39 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب بمناسبة زيارة انور السادات الى اسرائيل كاول رئيس مصري في 19 نوفمبر 1977)

النهار نيوز

"لعنة السلام" التي قتلت السادات ...بتوقيع ياسر عرفات

|بقلم / مصطفى جمعة|

كشف وزير خارجية رومانيا الأسبق شتيفان اندريه (1972/1982) أن عملية السلام بين مصر واسرائيل التي قام بها الرئيس أنور السادات لم تكن وليدة اللحظة التي أعلن فيها الرئيس المصري في خطابه أمام برلمان بلاده بأنه مستعد أن يذهب الى آخر الدنيا حتى لا تراق قطرة دم واحدة من جندي مصري، حتى لو كان هذا الآخر اسرائيل، وهو التصريح الذي انتهى بزيارته الى القدس يوم 19 نوفمبر 1977، وانما بدأت هذه الفكرة تراوده منذ أن سلمه رئيس وزراء رومانيا الذي كان يمثل الرئيس شاوشيسكو، في تشييع جثمان الرئيس جمال عبدالناصر في أوائل السبعينات، رسالة من رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مائير مفادها أنها على استعداد لفتح صفحة جديدة مع مصر.

وقال شتيفان لأعضاء مركز «الدراسات الاستراتيجية» في «المؤسسة العربية الرومانية للاعلام والثقافة» على هامش مؤتمر «لا سلام ولا كلام في الشرق الأوسط» الذي عقدته في مناسبة مرور 33 عاماً على الزيارة التي قام بها السادات الى رومانيا يوم 15 مايو 1977، والتي وضع فيها «الرتوش الأخيرة» لاخراج العملية السلمية بين العرب واسرائيل على الهواء مباشرة وفي العلن، أن الرئيس السادات استقبل رسالة مائير بشكل جيد لكنه لم يعلق عليها بالسلب أو الايجاب، واكتفى بابتسامة في وجه رئيس الوزراء الروماني، لكن من الواضح أن مضمونها لم يغب عن خاطره، وكما قال في ما بعد لشيمون بريز في حضور الرئيس شاوشيسكو أنه فكر كثيراً في محتوى هذه الرسالة لكنه أجل البت فيها لاعتبارات عدة... أولها أنه كان يريد سلام الشجعان، أي أنه كان يريد الجلوس على طاولة المفاوضات وهو لا يقل زهواً وقامة عن الطرف الاسرائيلي، وثانيها أنه لم يكن يرتاح الى مائير شخصياً ويعرف أنها غير قادرة على أن تخطو خطوة تتوازى مع حجم القرار الذي من الممكن أن يكلفه حياته.

ودلل شتيفان على أن مضمون رسالة مائير كانت دائماً حاضرة في تفكير السادات بأنه ما من مرة زار فيها السادات رومانيا الا ودار حوار جدي مع الرئيس شاوشيسكو عن أمانيه بأن يعم بحر السلام المنطقة ويحل محل الكراهية التي زرعتها الحروب العربية - الاسرائيلية، حتى أنه كان دائماً يسأل الرئيس الروماني عن انطباعاته عن بعض القادة في اسرائيل. حتى كانت الزيارة التي حدثت يوم 15 مايو 1977، والتي جاءت بعد تولي مناحم بيغن رئاسة مجلس الوزراء الاسرائيلي عقب فوز حزبه «الليكود» بالانتخابات على حساب اسحاق رابين وحزبه «العمل»، والتي طرحت فيها ارهاصات السلام بين العرب واسرائيل بشكل واضح لا لبس فيه. حيث قال الرئيس الروماني للرئيس السادات (وكان شاوشيسكو التقى بيغن قبل وصول السادات الى بوخارست بأسابيع) الآن تستطيع أن تقيم سلام مع شريك قوي قادر على أن يذهب معك الى آخر المشوار لأن التفاهم مع شخص متشدد مثل بيغين فيه فرص أفضل لدفع الأمور الى الأمام، عن التعامل مع الأشخاص المعتدلين المترددين الذين يخافون من اتهامهم بالخيانة من جانب ناخبيهم.

وقال أيضاً شاوشيسكو للسادات ان بيغن رجل متطرف ولكن عندما يعطي الكلمة فهو يحترم هذه الكلمة فتستطيع أن تثق به لو بدأت التفاوض معه، فهو صادق في نياته، صاحب ارادة قوية، ورغم أنه صهيوني... وصهيوني جداً، ولكنه رجل سلام، لأنه يعرف ما هي الحرب، ويريد أن يترك اسمه علامة في تاريخ الشعب اليهودي.

وأشار شتيفان أنه بمجرد أن فتح السادات موضوع الرغبة التي لم تغب عن خاطره لحظة في السلام مع اسرائيل منذ تسلمه رسالة مائير العام 1970، تأكد الرئيس الروماني أن العمل الجريء الذي طالب به الرئيس المصري في رسالته الى الرئيس كارتر عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية والتي حملت عبارة مهمة تقول: «لابد من عمل جريء» هو انهاء حالة الحرب في الشرق الأوسط، وعمل سلام دائم وعادل قائم على اعادة الحقوق لأصحابها، وخاصة الأراضي التي احتلتها اسرائيل عقب حرب يونيو 1967 من أجل اقامة الدولة الفلسطينية على تراب الضفة الغربية وغزة.

ونوه شتيفان إلى أن رومانيا كانت دائماً عادلة ومتوازنة في التعامل مع العرب واسرائيل، وكانت تتعاطف بشكل كبير مع الفلسطينيين حيث فتحت لهم المدارس والجامعات، ومراكز التدريب العسكري على الأسلحة كافة بما فيها الطائرات العسكرية للمنضوين تحت لواء «منظمة التحرير الفلسطينية»، ويكفي أن طاقم طيارين طائرة ياسر عرفات خريجو المعاهد العسكرية الرومانية وهو ما كان غير ميسر لهم، بل محرم عليهم في الدول العربية كافة، وقد بلغت العلاقات الفلسطينية - الرومانية أوجها في فترة السبعينات حتى أن الرئيس شاوشيسكو أطلع عرفات على ما هو مقبل من العملية السلمية، وباركها عرفات على أساس ضمان اقامة الدولة الفلسطينية على كامل أراضي الضفة الغربية وغزة، وعلى هذا الأساس دعا السادات عرفات لحضور خطابه في مجلس الشعب المصري والذي أعلن فيه استعداده ضمنياً لزيارة اسرائيل وقد صفق عرفات بحرارة على الخطاب.

وبين شتيفان أن عرفات كان يعلم أن عدداً كبيراً من القادة العرب مع خطوات السادات في اتجاه السلام مع اسرائيل، وقد عبروا عن ذلك صراحة للسادات في جولته في بعض الدول العربية التي سبقت زيارته الى رومانيا في 15 مايو 1977، بمن فيهم الرئيس السوري حافظ الأسد الذي طلب من السادات التأني في خطوته الى حين عرض الأمر في مؤتمر قمة عربي، ومنحه شرعية عربية وهو ما أوضحه الرئيس السادات لشاوشيسكو خلال أحاديثهما في القطار الذي نقلهما الى منتجع «سينايا» أو «سيناء» الذي يبعد عن بوخارست 120 كيلومتراً. لكن عرفات انقلب بعد ذلك وأبدى موقفاً متشدداً من السادات في مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد في 7 نوفمبر 1978تحت شعار «الصمود والتصدي»، والذي كانت أبرز قرارته قطع الدول العربية علاقاتها مع مصر، باستثناء سلطنة عمان والسودان، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة.

وذكر شتيفان أن ياسر عرفات عبر في ما بعد وفي زيارة الى بوخارست في الثمانينات عن ندمه لعدم انخراطه في العملية السلمية التي قادها السادات، وأرجع سبب تراجعه، بعد المباركة المسجلة في الوثائق لهذه الفترة والتي أبداها لشاوشيسكو شخصياً، والتي قال فيها «السادات ولد ما جابته رجالة»، الى الضغط الشديد الذي تعرض له من الرئيس العراقي صدام حسين والذي هدده بطرد كل الفلسطينيين من العراق، بل والعمل على طردهم من كل الدول العربية، وخاصة الخليجية.

وأشار شتيفان الى أن العرب هم الخاسرون الوحيدون لتأخرهم في سير العملية السلمية لأنه كان في نية القيادة الاسرائيلية رغم التشدد الظاهري أن يحصلوا على الأمن والاعتراف مقابل كامل الأراضي التي احتلتها العام 1967، وقد وضح هذا جلياً في الخرائط التي أحضرها شاوشيسكو للسادات في زيارته في 15 مايو العام 1977، وفي حضور شيمون بيريز وفايستمان (اللذين كانا في زيارة سرية لبوخارست) حيث ظلل السادات بقلم أحمر عريض على كل الأراضي المحتلة مطالباً الانسحاب الكامل منها شرط توقيع اتفاقية صلح واعتراف باسرائيل، وهو ما قاله أيضاً الرئيس المصري في قلب اسرائيل يوم 20 نوفمبر 1977 «لم أجئ اليكم لكي أعقد اتفاقاً منفرداً بين مصر واسرائيل، ان الانسحاب الكامل من الأرض العربية المحتلة بعد 1967 أمر بديهي لا نقبل فيه الجدل، ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد، اذ لا معنى لأي حديث عن السلام الدائم العام وأنتم تحتلون أرضاً عربية».

واكمل شتيفان أن بيغن أبدى موافقة لشاوشيسكو على مطلب السادات ووقع بنفسه على الخريطة نفسها بكلمة (ok)، وقال «صحيح أننا دافعنا عن حقوقنا عن وجودنا وشرفنا ضد المحاولات المتكررة للقضاء علينا بقوة وحشية ولم يكن ذلك على جبهة واحدة فقط، هذا كله صحيح، وبعناية الله تغلبنا على قوى العدوان واستطعنا ضمان بقاء أمتنا ليس لهذا الجيل فقط بل لكل الأجيال القادمة. نحن لا نؤمن بالقوة نحن نؤمن بالحق بالحق فقط ومن أجل هذا نوافق على السلام».

مفاوض صعب

وقال رئيس القسم العربي في الاذاعة الرومانية، المترجم الخاص للرئاسة الرومانية باللغة العربية (1972/1998) هوريا موريي لقد حضرت كل اللقاءات التي جرت بين الرئيس الروماني السابق شاوشيسكو والقادة العرب الذين زاروا رومانيا، واحقاقاً للحق كانت لديهم رغبة واضحة في اقامة السلام في الشرق الأوسط لكن لم تكن عندهم شجاعة الرئيس السادات، ورغم أنه كان يعرف بأنه ربما سيقتل لو سلك طريق السلام والصلح مع اسرائيل، الا أنه استمر في الطريق الذي سار عليه حتى النهاية.

وتمنى هوريا لو أن العرب وخاصة الفلسطينيين «طرقوا الحديد وهو ساخن» عقب زيارة السادات الى اسرائيل وقاموا بهجوم السلام من أجل استعادة أرضهم المحتلة في العام 1967، حيث لم تكن العملية على الأرض معقدة مثلما هي الآن بعدما انتشرت المستوطنات بهذا الكثافة تلبية للتمدد الطبيعي للدولة من اجل استيعاب العدد الكبير من اليهود المهاجرين من دول أوروبا الشرقية عقب سقوط الشيوعية، وأيضاً لغياب القادة التاريخيين من العرب والاسرائيليين الذين يستطيعون اتخاذ قرارات مؤلمة، ويستطيعون أيضاً اقناع شعوبهم بأهمية هذه القرارات، ولعل أصعبها وأكثرها ايلاماً الصلح والاعتراف باسرائيل.

واستطرد هوريا بأنه من الغريب أن يتهم السادات بأنه باع القضية مع أن كل وثائق «كامب ديفيد» حول اتفاقية اطار التسوية في الشرق الأوسط، التي تم الاتفاق عليها بين مصر واسرائيل في17 سبتمبر العام 1978، وبنود معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية الموقعة في29 مارس 1979، كانت تتضمن اشارات واضحة تتعلق بالتسوية الشاملة للصراع العربي - الاسرائيلي، في حالة قبول الدول العربية بذلك، حيث نصت افتتاحيتا كلتا الاتفاقيتين على أن السلام المصري - الاسرائيلي هو خطوة نحو السلام الشامل في المنطقة، كما نصت على دعوة بقية دول المنطقة الى الدخول في اتفاقات مماثلة.

ووصف هوريا الرئيس السادات بانه كان مفاوضاً صعباً لامتلاكه المعرفة الشاملة بحيثيات القضية وأدق تفاصيلها وايمانه بها ومعرفته بثقافة الخصم ومنطلقاته الفكرية والثقافية، والمامه بالخطوات الموضوعية والاجرائية، وامتلاكه للحنكة الديبلوماسية وأيضاً بعض السمات الشخصية كمهارات المراوغة والصبر، علاوة على أنه مستمع جيد ويمتلك قدرة لغوية تمكنه من فهم لغة التفاوض المعتمدة والتلاعب بالألفاظ والصياغة.

ونوه استاذ الاقتصاد السياسي في بوخارست والخبير في الشؤون الاسرائيلية في مركز الدراسات الاسرائيلية د. علي الأسدي وهو فلسطيني الأصل اسرائيلي الجنسية، بأن من الأسباب الرئيسية لوصول العملية السلمية بين العرب واسرائيل الى مرحلة «لا سلام ولا كلام في الشرق الأوسط» أن كلا الفريقين لم يكونا صادقين في التوجه الى السلام الحقيقي... العرب كانوا يعتبرون ومازالوا أن العملية السلمية ما هي الا هدنة الى حين يغير الله من حال الى حال مستندين الى شواهد التاريخ، والاسرائيليون كانوا في أمس الحاجة الى استراحة مقاتل بعد «علقة اكتوبر»، وكانوا يريدون الهدوء والسلام من أجل جذب يهود الشتات رغم اقتناع عدد كبير منهم أن السلام سوف يلتف حول رقبة اسرائيل في يوم من الأيام، ويعيد الى فلسطين كامل ترابهم الوطني من البحر الى النهر.

وأشار الأسدي أن اسرائيل تعاني الآن مشكلة ضخمة حيث اكتشفت أن عدداً كبيراً من المهاجرين من الفلاشا ودول اوروبا الشرقية وخاصة من دول الاتحاد السوفياتي ليس لهم علاقة بالدين اليهودي بل بعضهم من ديانة سماوية أخرى، وجدوا في اسرائيل شركة استثمارية كبرى يجب أن يأخذوا نصيبهم منها ثم يعودون من حيث اتوا، وقد شهدت اسرائيل في الفترات الأخيرة عملية بيع وشراء ضخمة في المباني السكنية التي شيدتها لاستيعاب هؤلاء المهاجرين ومن خلال الشراء اخترق الفلسطينيون الأحياء اليهودية وسكنوا في قلبها.

وقال الأسدي ان اسرائيل تعرف تماماً أن حاجتها الى السلام أمر حيوي يرتبط بوجودها وبقائها، لأن الكثافة السكنية من فلسطينيي عرب 1948 من الممكن أن تتساوى مع يهود الدولة في العام 2025 وقد وضح هذا جلياً في الدراسة التي أعدها ثلاثة من كبار الخبراء الاستراتيجيين الاسرائيليين، وهم البروفيسور ايهود عِلام، والبروفيسور افرايم عنبر، والبروفيسور ستيورات كوهين المرتبطون بصلات وثيقة مع جهازي «الموساد» و«الشاباك»، وشعبة الأبحاث في المخابرات الحربية الاسرائيلية، والتي صدرت في فبراير الماضي تحت عنوان: «عوامل الاخلال باستقرار معاهدة السلام مع مصر» وقسمتها الى عوامل خارجية وعوامل داخلية... كان أول هذه العوامل الخارجية هو «التحدي الايراني». وجاء فيه أن القاهرة تخشى من زيادة نفوذ ايران في الشرق الأوسط، خاصة أن طهران تسعى دائماً لتصدير الثورة الى الدول العربية وفي مقدمتها مصر.

وأضافت الدراسة أن التقدم الحادث في المشروع النووي الايراني قد يتسبب في دفع القاهرة لمحاولة الحصول على سلاح نووي هي الأخرى بمساعدة الدول العربية السُنية، وباكستان، وفي هذه اللحظة لن تقف اسرائيل مكتوفة الأيدي، وستحاول، بالضرورة، تعطيل المشروع النووي المصري الأمر الذي قد يتسبب في توتر العلاقات بين البلدين.

والعامل الخارجي الثاني وهو سيطرة «حركة حماس» على قطاع غزة، وتحويله الى امارة اسلامية، ويعترف الباحثون الاسرائيليون بأن «حرب أولمرت» الأخيرة ضد غزة لم تحقق أهدافها، بما يعني أنها قابلة للتكرار مستقبلاً، وقد يتسبب ذلك في سقوط عدد هائل ضحايا من الجانب الفلسطيني، مما يؤدي الى زيادة الضغوط الداخلية والخارجية على النظام المصري لتقديم مساعدات الى الفلسطينيين، ونجدتهم عسكرياً وهنا قد تتجاهل مصر، عمداً، بنود حظر دخول قواتها العسكرية الى سيناء، بما يؤدي الى رفع منسوب التوتر بين البلدين.

والعامل الثالث في العوامل الخارجية فهو احتمال جر مصر للمشاركة في حرب سورية ضد اسرائيل (كما حدث في حرب 1967).

ومن أبرز العوامل الداخلية التي أوردتها هذه الدراسة كما قال الأسدي، أن «معركة الرئاسة المصرية العام 2011» هي التي تستأثر بالاهتمام لأن أي رئيس غير الرئيس مبارك، أو من خارج رجال نظامه قد يتسبب في ضرب معاهدة السلام في مقتل، وذلك لأن نظام الحكم في مصر يتسم بالمركزية ويدور في فلك شخص واحد هو رئيس الجمهورية، واذا تولى الحكم شخص معارض لمعاهدة السلام، فربما تتطور الأمور الى مواجهة عسكرية جديدة بين البلدين. أو يؤثر على العلاقات مع اسرائيل التي ستشهد توتراً لأن الرئيس الجديد سيمنح أولوية للتفاعلات السياسية الداخلية التي ستصبح، وقتها، أكثر قيمة وتأثيراً في صنع القرارات التي ترسم حدود العلاقات بين البلدين.

ومن العوامل التي من الممكن أن تنسف عملية السلام في فترة ما بعد مبارك هو سيطرة «الاخوان» على مقاليد السلطة في مصر. فقد أوضحت الدراسة أن «الاخوان» أمامهم طريقان للوصول الى السلطة في مصر... الأول عبر صناديق الاقتراع، فقد التفوا في الانتخابات البرلمانية الماضية في العام 2005 حول الحظر المفروض على نشاطهم السياسي، وفازوا بـ 88 مقعداً في مجلس الشعب الحالي تحت لافتة «المستقلين». ويحتمل أن تسعى الجماعة في الانتخابات البرلمانية هذا العام 2010 الى زيادة حصتها الانتخابية، وترشيح أحد أعضائها لمنصب رئيس الجمهورية. واذا تم الغاء نتائج الانتخابات، فقد تدخل مصر في حرب أهلية، يتولى بعدها «الاخوان» مقاليد السلطة، كما حدث في الجزائر عام 1991 عندما سيطر الاسلاميون على السلطة، رغم تدخل الجيش، بعد حرب أهلية راح ضحيتها 150 ألف شخص.

وتخشى اسرائيل من هذا السيناريو، كما تخشى من النجاح في قمع «الاخوان»، وسيطرة جنرال جديد بمجموعته على الحكم. فساعتها قد يستغل «قادة مصر الجدد» الظروف الداخلية، ويطالبون اسرائيل بتقديم بعض التنازلات، خاصة في ما يتعلق بسيناء منزوعة السلاح. وقد يضطر القادة الجدد الى تبني مواقف عدائية تجاه اسرائيل لمواجهة مزايدات «الاخوان» التي ستلهب الشارع السياسي.

أما الطريق الثاني الذي قد يسلكه «الاخوان» نحو قصر الرئاسة، فهو انهيار الاقتصاد المصري، وتمزق النسيج الاجتماعي، واندلاع ثورة شعبية كما حدث في ايران 1979 ضد نظام الشاه، وقد يستغل «الاخوان» حالة الفراغ السياسي في زيادة نفوذهم، والتحالف، موقتاً، مع تيارات المعارضة لاذكاء الغضب الشعبي وتنظيم المظاهرات للوصول الى السلطة، ثم التخلص من قوى المعارضة العلمانية في مرحلة لاحقة، ويؤدي هذا السيناريو، الى قطع العلاقات مع اسرائيل، وربما يسفر عن صدام عسكري محدود في شبه جزيرة سيناء.

العرب و اسرائيل